الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ادعاء المكري ضياع ما حمله]

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى المكري ضياع ما حمله بنفسه أو على دابته أو في سفينته قبل قوله فيما سوى الطعام من المتاع وغيره، إلا أن يتبين كذبه أو يذكر أن ذهابه كان على صفة أتى فيها بما لا يشبه، وهذا إذا ادعى ضياعه في الطريق، أو بعد الوصول، أو قبل أن يغيب عليه ويحوزه عن صاحبه; لأنه إذا ادعى ضياعه قبل أن يحوزه عن صاحبه بعد وصوله على حكم الإجارة، فإذا حازه عنه وغاب عليه كان على حكم الرهن، وهو في الطعام على خمسة أوجه:- يصدق في وجه، ولا يصدق في آخر، واختلف في ثلاثة:

                                                                                                                                                                                        فإن كان صاحبه معه والحمل في المدينة أو في السفر في البر- صدق. وقال أصبغ في كتاب محمد: ولو فارقه في بعض الطريق لم يضمن. قال محمد: لأن [ ص: 5201 ] أصل حمله على غير التسليم لمن حمله.

                                                                                                                                                                                        وإن لم يكن صاحبه معه وحمله في غير البلد الذي يسافر له في بر أو بحر، والطعام مما تدعو الضرورة إليه في الغالب - لم يصدق.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حمله بالمدينة ولم يصحبه صاحبه، أو في السفر في البحر وصاحبه معه، أو لم يكن معه صاحبه، وليس الطعام مما تدعو إليه الضرورة في الغالب، والمعروف من المذهب أنه غير مصدق إذا غاب عليه وإن حمله في المدينة. وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: لا ضمان عليه.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأنه في المدينة قادر على أن يصحبه من غير ضرر عليه، فإن لم يفعل كان قاصدا إلى الائتمان.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يضمن الذي يحمل القمح والشعير والقطاني وما أشبه ذلك وإن صحبه صاحبه إذا نقص; لأنه قد علم منهم السرقة فأخفى ذلك عنهم مع كون صاحبه معه، وإن ادعى ذهاب جميع ما حمله وصاحبه معه صدق وليس العادة جحود جميعه ولا الهروب إذا كان الجمال واحدا.

                                                                                                                                                                                        وإن كانوا عددا فتأخر بعضهم لم يقبل قوله: إنه غصب عليه، وقد عهد من الجماعة أن يتأخر أحدهم تعمدا ليذهب به، وإن صحبه صاحبه في البحر ثم نقص أو [ ص: 5202 ] ذهب بعضه- صدق عند مالك.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب كرية السفن أنه غير مصدق. وقال: لأنه حازه وإنما يدخل التأخير وقت إقلاعه. وهو أحسن; لأن الطعام والزيت وما أشبه ذلك يوسق ويغيب عنه صاحبه إلى ليلة المبيت، ولا يدرى ما حدث فيه، وقد عهد منهم الخيانة فيه. وكذلك لو لم يفارقه صاحبه من حين أوسقه، فإنهم يخونون فيه بالليل وبعد الوصول وقبل التفريغ; لأن صاحبه ينزل عنه.

                                                                                                                                                                                        وأما الجنس الذي يضمن فقال مالك وابن القاسم: يضمن الطعام جملة -ولم يفرقا- وقال ابن حبيب: يضمن ما يتقوته الناس: القمح والشعير والسلت والدقيق والعلس والذرة والدخن دون الأرز لأنه يفكه، ويضمن القطاني إلا الترمس.

                                                                                                                                                                                        ومن الإدام أربعة: الزيت، والخل، والعسل، والسمن دون الرب [ ص: 5203 ] والمري والجبن واللبن والشيراز.

                                                                                                                                                                                        ولا يضمن رطب الفواكه ولا يابسها إلا ثلاثة: التمر، والزبيب، والزيتون; لأنها لاحقة بالأقوات.

                                                                                                                                                                                        ولا يضمن اللحمان والحيتان، ولا الفلفل، ولا الخضر، ولا الأبزار، ولا البيض، ويضمن الملح; لأنه لا غنى عنه.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن، وقد علم من حامل الطعام الخيانة وسرعة اليد على اختلاف أنواعه، ولا يقفون عن هذه التي قال دون غيرها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية