الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [يجوز للمكري في كراء المنافع كراء المنافع]

                                                                                                                                                                                        ومن اكترى منافع فله أن يبيعها من غيره، والمنافع والرقاب في ذلك سواء، إلا ما كان يتعذر أن يكون مثل الأول، أو يشك فيه هل هو مثله في المضرة فيمنع، والأمر في ذلك في الدواب والديار وفي الثياب مختلف.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك في ذلك في الدواب بالجواز والكراهية، وأجازه في الديار، واضطرب القول في الثياب، فقال مرة: لا يفعل; لأنه إنما رضي أمانتك واللباس يختلف، ولأنه إن ضاع منك لم تضمن، وإن دفعته إلى غيرك فضاع ضمنته.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: إن مات المكتري أكرى من غيره وقال في من اكترى فسطاطا فأكراه من غيره: إذا كان مثل الأول في الأمانة وحاجته إليه كحاجتك، فلا بأس به.

                                                                                                                                                                                        وكراء الدابة على وجهين: فإن كان يحمل عليها وصاحبها يصحبها في [ ص: 5163 ] السفر، جاز، وإن كره صاحبها، وإن كان المكتري يحمل عليها ويسافر بها وحده، أو كان الكراء ليركب عليها- لم يكن له ذلك إلا بمطالعة صاحبها وأن يعلم، فإن سلم أن الثاني كالأول في الأمانة وفي مضرة الركوب أكراها وإن كره صاحبها.

                                                                                                                                                                                        وإن خالفه وقال: أخاف على دابتي منه لقلة أمانته، وليس هو مثلك في الركوب، رفع الأمر إلى الحاكم وكان هو الذي يكشف عن ذلك، فإن كان الأمر على ما قاله صاحب الدابة منعه، وإن كان لا مضرة عليه أمضى كراءها ومكن الثاني من السفر بها.

                                                                                                                                                                                        فإن لم يعلم صاحبها حتى سافر الثاني بها أو علم وغلب عليها نظر في ذلك: فإن كان الحكم لو رفع إلى الحاكم أن يمكنه من السفر بها- لم يكن عليه شيء، وإن كان يمنعه كان على حكم المتعدي، فإن سلمت أخذه بفضل الكراء الثاني عن الأول، وإن حدث عيب ضمنه، إذا كان العيب لأجل ركوب الثاني. [ ص: 5164 ]

                                                                                                                                                                                        والحكم في الضياع والعيب يختلف إذا كان المكتري متعديا في كرائها من الثاني، فإن كان الثاني غير مأمون فادعى ضياعها ضمن الأول; لأنه المتعدي ولم يرجع الأول على الثاني; لأنه أذن له، وإن كان الأول عديما، والثاني غير عالم أنها في يد الأول بغير كراء لم يضمن لصاحبها شيئا; لأن حكمه معه حكم المستحق، وإن كان عالما ضمن; لأنه متعد.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حدث عيب من غير سبب الثاني: هل يضمنه الأول; لأنه متعد في خروجها عن يده أو لا يضمنه; لأنه لم يكن من سبب المتعدي؟ وعكسه أن يكون الثاني مثل الأول في الأمانة وأضر في الركوب، فيختلف إذا ادعى الضياع أو علم أنها ضاعت، هل يكون كمن لم يتعد; لأن التعدي لم يكن من هذا الوجه، فيصدق الثاني، ولا يكون على الأول شيء، أو يكون على حكم التعدي فيضمن، وإن ثبت الضياع ببينة; لأنه متعد في تسليمها لركوب الثاني؟ وأرى ألا يضمن إلا أن يؤتى من سبب الوجه الذي تعدى به.

                                                                                                                                                                                        والأمر في الديار يكريها من غيره خفيف، يتحسس أرباب الديار فيما بين [ ص: 5165 ] الرجلين والزوجين.

                                                                                                                                                                                        وأما الثياب فالمنع فيها أحسن; لأن اللباس يختلف، وأن اليسير من ذلك يؤثر وصاحب الثوب يكره ذلك، ويختار من الأول لمن يكري منه، ويحتاط لثوبه، ولو علم أنه يكريه من غيره لم يكره منه. والأمر في الخباء والفسطاط أخف، وليس يتقى فيه ما يتقى في الثوب.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية