الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 5093 ] باب [فيمن اكترى أرضا ولم يزرعها]

                                                                                                                                                                                        ومن اكترى أرضا فلم يتم زرعها، كان في الكراء على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها: ألا كراء عليه، كان امتناع تمامه في إبان الزرع أو بعده.

                                                                                                                                                                                        والثاني: عليه الكراء، كان امتناعه في الإبان أو بعده.

                                                                                                                                                                                        والثالث: لا كراء عليه إذا كان امتناعه في الإبان وذلك عليه بعده.

                                                                                                                                                                                        فإذا كان السبب في ذلك الأرض أو الماء، قحط المطر، أو انهارت البئر، أو انقطعت العين، أو كانت الأرض كثيرة النشوع أو الدود أو الفأر، لم يكن عليه كراء، وسواء هلكت في الإبان أو بعده.

                                                                                                                                                                                        وإن كان سبب ذلك طيرا، أو جرادا، أو جليدا، أو بردا، أو جيشا اجتاحه، أو لأن الزريعة لم تثبت; لزم الكراء، هلك في الإبان أو بعده.

                                                                                                                                                                                        وإن غرقت الأرض افترق الجواب، فإن غرقت في الإبان في وقت لو زال عنها أعاد زراعتها سقط الكراء، وإن غرقت بعد الإبان لزم الكراء.

                                                                                                                                                                                        وإنما سقط الكراء إذا كان امتناع تمامه من قبل الماء; لأن الماء مشترى، فإن لم يحصل المبيع لم يستحق العوض، وسقط إذا كان ذلك من سبب الأرض; لأن مصيبة المنافع من بائعها حتى تقبض على وجه السلامة بخلاف بيع الرقاب، ولم يسقط إذا كان هلاكه من برد أو مما ذكر معه; لأن جميع ذلك عاهات تخص [ ص: 5094 ] الزرع لا سبب للمكري فيها من قبل مائه ولا من أرضه، وهو كغاصب غصب الزرع خاصة، ويسقط إذا كان بغرق في الإبان; لأن مقام الماء عليها في الإبان كغاصب حال بين المكتري وبين منافع الأرض لو رفع يده لقدر على إعادة زرعه، وهو بعد خروج الإبان كغاصب أفسد الزرع، وبمنزلة البرد والجليد، وإن كان يقدر على إعادة بعضها لو زال سقط عنه كراء ما كان يقدر على حرثه.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن غرقت بعد خروج الإبان، ثم ذهب عن قرب بعدما أفسد الزرع، ثم لم تمطر بقية السنة وعلم أنه لو لم يفسد لم يتم الزرع، أن يسقط عنه الكراء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أذهبه السيل، فقال مالك في "كتاب محمد": عليه الكراء. يريد: إذا جاءه السيل بعد ذهاب الإبان.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن أذهب السيل وجه الأرض قبل الإبان أو بعده لا كراء عليه. وقد قيل: إن السيل إذا أذهب وجه الأرض نقص لمنفعتها، وأنه هو المكترى والذي طاب للحرث، هذا إذا كان المرغوب فيه والمقصود وجه الأرض فزال سقط الكراء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نبت في أرض الذي جره السيل إليه لمن يكون، فقال في "المدونة": هو للآخر. وقال سحنون في "كتاب ابنه": إن جره السيل قبل أن ينبت كان للثاني، وإن جره بعد أن نبت كان لزارعه. وقال أيضا: هو للآخر وعليه للأول قيمته مقلوعا.

                                                                                                                                                                                        وقيل: هو للأول وإن جره السيل وهو بذر وعليه [ ص: 5095 ] كراء الأرض. وهو أحسن; لأن ذلك ملكه نبت في ملك غيره بوجه شبهة بغير تعد، فوجب أن يكون لمالكه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن حصد زرعه في أرض غيره فانتثر منه حب فنبت قابلا: فلا شيء له فيه وهو لصاحب الأرض. فهذه بخلاف الأولى; لأن هذا هو الشأن الذي يتبين منه، ويرفع الأول على ألا حق له فيه ولو لم يحصده، ولكن أتى عليه برد بعد تمامه فانتثر ونبت قابلا، كان على الخلاف المتقدم هل يكون للأول أو للثاني.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية