الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في استبراء البكر]

                                                                                                                                                                                        واختلف في استبراء البكر، والمذهب على أن الاستبراء فيها واجب كالثيب، وذكر البخاري عن ابن عمر أنه قال: ليس فيها استبراء. وفي [ ص: 4506 ] مسلم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يأتين الرجل ثيبا من السبي حتى يستبرئها".

                                                                                                                                                                                        ففي هذا دليل على أن البكر بخلافها; لأن الثيب وطئت، وأرى الاستبراء فيها استحسانا على وجه الاحتياط، ولا يجب; لأن الغالب في بقاء البكارة عدم الوطء، ويستحسن ذلك لإمكان أن تكون أصيبت خارج الفرج، وقد تحمل المرأة على بقاء البكارة، وهذه الجملة عمدة لما يحتاج إليه في استبراء الإماء، فإن غصبت أمة ثم عادت إلى ربها وكانت من العلي والغاصب رجل وهو ممن يخشى منه الحمل، وجب على سيدها فيها الاستبراء.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانت من الوخش، إلا أن يعترف الغاصب أنه أصابها فيجب فيها الاستبراء، وإن ضمن الغاصب قيمتها، لم يكن له أن يصيبها إلا بعد الاستبراء، فإن حاضت عنده ولم يصبها حتى ضمن، لم يكن عليه أن يستبرئها ثانية، وإن استبرأها ثم أصابها ثم ضمن قيمتها، كان عليه أن يستبرئها ثانية ولا يصب ماءه على الماء الفاسد.

                                                                                                                                                                                        وإن كان قد أصابها قبل أن يستبرئها ثم ضمن، لم يصبها إلا بعد [ ص: 4507 ] الاستبراء; لأنه لا يدري هل كانت حاملا قبل ذلك؟ ومن كاتب أمة ثم عجزت، فإن كانت غير متصرفة وإنما تؤدي كتابتها من صنعة تعملها عنده، أو كانت متصرفة ثم تأوي إليه وهو الذاب عنها، لم يكن عليه فيها استبراء. وإن كانت منقطعة عنه كان فيها قولان، الاستبراء وهو قول ابن القاسم، ونفيه وهو قول أشهب. والاستبراء في هذا حسن وليس بواجب، إلا أن تكون مغموصا عليها في مثل ذلك فيجب فيها الاستبراء; لأنه قد اجتمع فيها وجهان، الظنة في ذلك، وانقطاعها عنه، ولو كانت أمة لرجل متصرفة في صناعة أو غيرها ثم تأوي إليه، لم يكن عليه أن يستبرئها إن أرادها، إلا أن يكون مغموصا عليها في طرائقها فيستحب له الاستبراء، أو تكون معروفة بالفساد فيجب الاستبراء.

                                                                                                                                                                                        ومن صارت إليه أمة من السبي وجب فيها الاستبراء إن كانت من العلي، ويختلف فيه إن كانت من الوخش.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية