باب فيمن باع عبدا وبه عيب فهلك منه، أو تقاصا به وهو في يديه أو يدي غيره
ومن فإن لم يدلس البائع رجع بقيمة العيب إن هلك، وإن تنامى إلى أكثر كان له أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يرد ويرد له قيمة ما تنامى عنده. وإن دلس بالعيب رجع بجميع الثمن إن مات، وله أن يرده إن تنامى عنده. وإن دلس بمرض فمات منه رجع بجميع الثمن. وقال أشهب -في كتاب باع عبدا وبه عيب فهلك منه، أو تنامى إلى أكثر، محمد: لو علم أنها ماتت من النفاس لكانت من البائع.
والأول أحسن؛ لأن ذلك مما يدرك معرفته، كالسل والاستسقاء يدوم بصاحبه حتى يموت، والنفاس تموت بفوره، وترد بهذه العيوب إذا ماتت منها، أو تنامت قبل معرفته بها، أو قام بقرب ما علم، وإن تراخى ما يرى أنه راض لم يكن له قيام، وإن أتى من ذلك ما يشكل أمره، هل هو راض أم لا؟ حلف أنه لم يكن رضي، وقام.
وإن دلس بالسرقة فسرق فقطعت يده رده أقطع، ورجع بجميع الثمن، وإن كانت السرقة لا قطع فيها لأنها من غير حرز، رده ورجع بجميع الثمن، وكانت معاملة المسروق منه في تلك الجناية مع البائع، يفتدي منه أو يسلمه.
وإن كان البائع غير مدلس كان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ [ ص: 4391 ] قيمة العيب، أو يرده وما نقصه القطع، وإن لم يقطع كان بالخيار بين أن يسلمه للمجني عليه ويرجع بالعيب، أو يعتد به ويرده على البائع.
واختلف إذا كانت سرقته من المشتري، فقال ذلك في ذمته. وقال مالك: في رقبته. وقال سحنون: ذلك ساقط وليس في ذمته، ولا في رقبته؛ لأنه عبده حتى يحكم برده. ابن حبيب:
والأول أحسن؛ لأن كل ما فعله العبد، مما دلس به السيد كأنه فعله عند بائعه فلا يسقط، فإن سرق من موضع أذن له فيه كان في ذمته، وإن لم يؤذن له فيه كان في رقبته. وإن ذهب ليسرق فسقط من موضع فهلك في ذهابه أو في رجوعه كان من بائعه.
وإن دلس بالإباق فأبق رجع بالثمن بنفس إباقه، وإن كان جنى كان على بائعه أن يطلبه وكذلك إن مات. وقال إن لم يهلك من سبب الإباق رجع بالعيب، وإن هلك من سببه مثل أن يقتحم نهرا أو يدخل بئرا فتنهشه حية أو يتردى في مهواة أو من جبل فيهلك رجع بالثمن. وأما إن مات موته أو يكون سالما في إباقه، أو يجهل أمره فلا يدرى ما آلت إليه حاله، فلا أرى أن يرجع إلا بقيمة عيب الإباق. ابن دينار:
والأول أحسن؛ لأنه بنفس الإباق وجب رجوع الثمن؛ لأنه الوجه الذي دلس به وذهب به من يد مشتريه. وقال مالك -في كتاب محمد: إن قال المشتري: أبق مني، وقال البائع: بعته أو أعتقته، كان القول قول المشتري مع يمينه، ويرجع بالثمن؛ لأنه ادعى ما يشبه، والظالم أحق أن يحمل عليه. [ ص: 4392 ]
واختلف إذا باعه مشتريه من آخر فأبق عند الثاني، فقال يؤخذ الثمن من الأول فيعطاه الآخر، إلا أن يكون الثاني أقل فيكون الفضل للمشتري. وقال أيضا: يؤخذ الثمن من الأول فيعطى منه الآخر قيمة عيبه فقط، فانتزع جميع الثمن من الأول؛ لأنه مدلس، ولم يكن للآخر إلا قيمة عيبه؛ لأن الأوسط غير مدلس. ابن القاسم:
وقال محمد: للآخر على الأوسط قيمة عيبه، وبه يرجع على الأول ما لم يكن أكثر من الثمن الأول.
والقول الأول أصوب؛ لأن ذلك غرور من البائع الأول على المشتري الأول، وعلى كل من صار إليه، وإن كان الأول معسرا غرم الأوسط للآخر قيمة العيب من ثمنه فقط، فإن أيسر الأول عاد الجواب فيما يغرمه إلى ما تقدم لو كان موسرا.
ويختلف إذا أعتق المشتري، ولم يبع أو أولد ثم مات من ذلك العيب، فذكر عن السبعة: أبو الزناد سعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، أنهم قالوا: وسليمان بن يسار فإن ماتت من تلك العاهة التي دلس بها، فهي من البائع ويأخذ المبتاع الثمن كله منه. كل عبد أو أمة دلس فيها بعاهة فظهرت وقد فات رد العبد أو الأمة بموت أو عتق أو حملت من سيدها،
قال الشيخ: أما إذا أولد فالجواب صحيح، يرجع بجميع الثمن؛ لأنها على ملكه بعد. [ ص: 4393 ]
ويختلف إذا أعتق أو وهب، فعلى القول إنه باع فهلكت عند الثاني، أنه يؤخذ من البائع الأول جميع الثمن، يرجع عليه به إذا أعتق أو أوجب. وعلى القول إنه يغرم في البيع قيمة العيب أو ما رجع به على الأوسط، لا يغرم ها هنا إلا قيمة العيب.
وإباق الصغير إذا بيع في صغره عيب، وكذلك سرقته، يرد بذلك؛ لأنه باق على تلك العادة، إلا أن يكون من الصغر بحيث لو اجتنب ذلك منه، فلا ينتقص من ثمنه.
واختلف إذا كبر وانتقل عن تلك العادة، هل يسقط حكم العيب؟ وأرى أن يرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، فإن كان ذلك مع قدمه يجتنب أو يحط من الثمن، رد به وإلا فلا. [ ص: 4394 ]