الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في عجز المكاتب وبيعه وبيع كتابته

                                                                                                                                                                                        وإذا صحت الكتابة ثم دعا السيد إلى فسخها كان للعبد المنع من ذلك، وأن يأخذه بما عقده متى أحضر المال، وإن دعا إلى ذلك العبد كان للسيد منعه والمطالبة بما كان من رضاه عند العقد لما يتعلق به من ذلك من المال والولاء وثواب العتق، فإن كانت الكتابة بالجبر من السيد قال: أنا على ذلك الجبر في المستقبل.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا رضيا جميعا بالفسخ، فقال مالك: إن كان له مال ظاهر لم يكن له ذلك، وإن لم يكن ظاهر المال كان ذلك له، فإن ظهر بعد ذلك أموالا كتمها لم يرجع عما رضي به، وقال أيضا: له ذلك وإن كان ذا مال ظاهر.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: ليس له ذلك، وإن لم يكن له مال ظاهر إلا عند السلطان.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إذا كان صانعا ولا مال له كان له أن يعجز نفسه، وعلى أصل سحنون: لا يكون ذلك له إلا عند السلطان، فإن كانت صناعة قائمة وهو قادر على الوفاء منعه من العجز، فجعل له في القول الأول الرضى [ ص: 3988 ] بالفسخ؛ لأنها معاوضة، فأشبهت البيع ورضاهما كالإقالة، ومنعه من ذلك في القول الثاني ابتداء وأمضاه إذا فعل، ثم تبين أنه كان قادرا وأنه كتم ماله، مراعاة للخلاف في ذلك، ومنع من ذلك في القول الثالث إلا بعد نظر الحاكم لما تعلق بذلك من شبهة العتق، ولما تعلق من حق الأخ، والعم وغيرهما من العصبة في الولاء، فكان لهم أن يمنعوا من الرضا بالفسخ إلا بعد نظر الحاكم.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بالمنع إذا رضي بالفسخ ولم ينظر في ذلك حتى فات بالبيع أو عتق المشتري، فقيل: البيع فوت، وقيل: ليس ذلك بفوت إلا أن يفوت بعتق، وقيل: يرد، ولو فات بالعتق فإنه ينقض.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم في الدمياطية: إذا باع السيد رقبته برضاه جاز، وقال في المدونة: يفسخ إلا أن يفوت بالعتق، قال: لأن ذلك من العبد رضى بالفسخ، وقد دخله العتق وفات له، وقال غيره: يرد، وإن دخله العتق فأمضى البيع في القول الأول إذا كان برضاه؛ لأنه رضي بالفسخ، وللبيع تأثير في الفوت.

                                                                                                                                                                                        ورد في القول الآخر للحقوق التي ذكرناها ما لم يقع العتق من المشتري فيمضي، ولا يرد لإمكان أن يعجز بعد الرد فيصير عبدا. [ ص: 3989 ]

                                                                                                                                                                                        ومحمل قول الغير في نقض العتق على أن له مالا ظاهرا لا يخشى عليه الرق متى رد هذا العتق، وإن بيع بغير رضاه رد البيع إذا قام بذلك العبد إلا أن يفوت بالعتق فيسقط مقال العبد؛ لأنه صائر إلى حرية.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف هل ينقض بما تعلق من الحق لغير العبد من الولاء على ما تقدم إذا كان البيع برضاه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية