الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل في قطاعة المكاتب

                                                                                                                                                                                        قطاعة أحد الشريكين المكاتب جائزة بإذن شريكه ، فإن كانت الكتابة مائة دينار فقاطعه من نصيبه على عشرين دينارا جاز ، وإن أخذها ثم عجز المكاتب قبل أن يأخذ منه الآخر شيئا كان الذي قاطعه بالخيار بين أن يرد على صاحبه عشرة دنانير ويعود إليه نصيبه [ ص: 3972 ] منه أو لا يرد ويكون جميعه لشريكه ، وإن قبض الثاني عشرة ثم عجز رد خمسة وكان بينهما ، أو لا يرد ويكون جميعه لشريكه ، وإن أخذ الثاني عشرين أو ثلاثين كان بينهما نصفين ، ولم يكن على الثاني أن يرد على الأول من الفاضل عنده شيء ، وفي كتاب محمد : إذا قاطع الأول على حيوان أو عرض حسب قيمته يوم قبضه على النقد ، ورد نصف الفاضل ، وإن كان طعاما رد مثله ، ورد المتمسك ما اقتضى إن كان اقتضى شيئا فيقاسمه ، يريد : في العرض إذا فات لأنه يعود إلى قيمة ، والقيمة من العين ، فينظر إلى الفاضل خاصة ، ولو كان قائما كان الجواب فيه كالطعام ، ويكون بالخيار بين أن يرد نصفه ويأخذ نصف ما أخذ شريكه ، أو أن يتمسك ، ولا شيء له في العبد ولا فيما اقتضى صاحبه ، وإن كان فيما اقتضى شريكه فضل على ما قاطع عليه الأول كان بالخيار بين أن يرد نصف ما اقتضى ويأخذ من شريكه نصف العروض أو الطعام أو يتمسك بما في يديه ويكون للأول ما في يديه ، ويكون العبد بينهما نصفين ، وإن كانت المقاطعة على عشرين دينارا فلما قبض منها عشرة عجز العبد كان بمنزلة من قاطع على نصف نصيبه ، وقد اختلف فيه : [ ص: 3973 ]

                                                                                                                                                                                        فقيل : الأول بالخيار بين أن يرد خمسة ويكون العبد بينهما نصفين أو لا يرد ويكون له من العبد ربعه ويكون ثلاثة أرباعه لمن لم يقاطعه .

                                                                                                                                                                                        وقال الداودي : يكون الربع بينهما أثلاثا ، مفضوضا على ما بقي لكل واحد منهما فيه ، وهو أقيس ، ولا فرق عنده بين أن يبقى الربع للذي قاطع أو لأجنبي ، وإن قاطعه أحدهما بغير إذن شريكه ، ثم لم يعلم الآخر حتى عجز ، وقد اقتضى منه مثل ما قاطع عليه صاحبه أو أكثر ، كان العبد بينهما نصفين; لأن الذي لم يقاطع لا يختار إذا كان الفضل عنده إلا إجازة ما قاطع عليه صاحبه ولا يختار الآخر إلا الرجوع .

                                                                                                                                                                                        وإن اقتضى عشرة كان له أن يجبر الأول على رد خمسة ويكون العبد بينهما نصفين ، وإن رضي بالتمسك بما اقتضى وبالعبد مضت المقاطعة .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يكون للذي قاطع خيار ، فقال ابن القاسم : لا خيار له .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : ذلك له ، وهو أحسن; لأنه إذا أجاز صار بمنزلة من قاطع بإذن شريكه ، فإن اختلفت قطاعتهما فقاطعه أحدهما على [ ص: 3974 ] من قاطع بإذن شريكه ، فإن اختلفت قطاعتهما فقاطعه أحدهما على عشرين نقدا وقاطعه الآخر على مائة إلى أبعد من الأجل الأول وتراضيا على ذلك جاز .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : إذا كانت زيادة الثاني بعد قبض الأول ما قاطع عليه; لأنه ليس له أن يضعفه حتى يستوفي الأول ما قاطع عليه ، فإن عجز قبل أن يقبض الثاني شيئا ، قيل للذي قاطع : إن شئت فرد إلى شريكك نصف ما عندك من الزائد ، ويكون بينكما ، وإن عجز بعد أن قبض الثاني أدى مثل ما قبض للذي قاطعه كان العبد بينهما نصفين ، وقال : وإن قبض أكثر مما قبض الذي قاطع إلا أنه مثل جميع حقه الأول ، فكذلك العبد بينهما فلا تباعة ، وإن قبض الزيادة الذي زادها كان عليه أن يرد نصف الزيادة إلى صاحبه .

                                                                                                                                                                                        والقياس أن يكون الزائد لمن قاطعه وحده; لأنه ثمن لذلك التأخير ، فإن شاركه فيه الأول كان الثاني قد خسر ذلك التأخير ، وأما قوله : إن كانت الزيادة بعد أن قبض الأول; لأنه ليس له أن يضعه حتى يستوفي الأول ما قاطعه عليه فوهم; لأن الثاني أخره على الأجل ، فكيف يقبض الثاني قبل الأول . [ ص: 3975 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية