الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حلف بعتق عبده ليضربنه]

                                                                                                                                                                                        ومن حلف بعتق عبده ليضربنه ، فإن كانت يمينه لجناية جناها العبد ، ولم يسم عددا ، جاز له أن يضربه بقدر جنايته . وكذلك إذا سمى عددا بقدر جنايته أو جاوز ذلك بالشيء اليسير; لأن الغالب من العبد أنه لا يخلو من تقصير لما يجب لسيده ، فإن جاوز ذلك بالعدد الكثير لم يمكن من ضربه ، وإن لم يجن جناية ، فإن كانت يمينه بفور ملكه لم يمكن من ضربه وإن قل ، وإن طال مكثه في يديه لم يحنث ومكن من ضربه إذا كان يسيرا ، لما تقدم أن [ ص: 3732 ] الغالب أن لسيده عليه في تلك المدة مطالبة ، وإن سمى عددا كثيرا ، لم يمكن من ضربه . فإن كان ضرب أجلا كان حرا بمضي ذلك الأجل ، وإن لم يكن ضرب أجلا وكانت نيته المبادرة ، فإنه يحنث إذا مضى ما لا يتأخر إليه ، وإن لم تكن له نية لم يعتق عليه; لأنه لا يحنث إلا بموت نفسه فيعتق من الثلث ، وإذا ضرب أجلا ثم قال بعد مضي ذلك الأجل : كنت ضربته ، فإن صدقه العبد ، لم يعتق عليه ، وإن خالفه كان القول قول السيد مع يمينه أنه ضربه .

                                                                                                                                                                                        قال مالك في كتاب محمد : وليس عليه أن يحضر هذا شهودا كما عليه أن يحضرهم في الحد . قال : وكذلك الزوجة يحلف زوجها ليضربنها ، مثل العبد سواء .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : ولو مات السيد قبل أن يذكر أنه ضربه ولم يعلم ذلك كان العبد حرا من الثلث ، وأما المرأة فهي ترث زوجها على كل حال . قال محمد : لا يعجبني قوله : إنه من الثلث; لأنه ضرب أجلا شهرا ، فإن مات قبل الأجل لم يكن عليه شيء ، وإن مات بعد الأجل كان حرا من رأس المال إلا أن يكون مرض قبل الشهر . وقال أصبغ فيمن حلف لزوجته بالطلاق : لا خرجت إلا بإذنك أو لا فعلت كذا إلا برضاك ، ففعل فقامت عليه البينة ، فقال : أذنت لي ، وقالت : لم آذن ، قال : فهي طالق ، وهي مثل الدين ، وإن [ ص: 3733 ] صدقته لم يكن لي بد من أن أحلفه ، فصدقه في الضرب بخلاف الدين لوجهين ، وذلك أن الضرب حق له وأن الشأن ألا يشهد فيه والدين حق عليه ، فكان القول قول من له الحق إنه لم يأخذه ، ولأن الشأن عنده الإشهاد فيه ولم يصدقه في قوله : أذنت لي; لأن ذلك صار حقا لها ، فالقول قولها إنها لم تعطه ذلك الحق وهو مدع عليها في عطيتها ، فإن صدقته لم تطلق عليه; لأن الشأن ألا يشهد على ذلك ، وكذلك ما كان من الديون يقضى بغير بينة ، وإن صدقه صاحب الدين في القضاء ، لم تطلق عليه; لأن القول قول من له الحق إنه لم يقضه ، وقول ابن القاسم فإن كانت العادة القضاء بغير بينة مثل عادات الناس اليوم في البز وغيره إنهم يتبايعون ولا يشهدون على بيع ولا على قضاء ، فإن اختلفوا في الدفع كان القول قول من له الدين إنه لم يقضه .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم : إذا مضى الأجل ، ثم مات قبل أن يسأل هل ضربه أم لا؟ : إنه من الثلث- أحسن ، ولم يجعله من رأس المال لإمكان أن يكون ضربه فيكون رقيقا ، ولم يرقه ، لإمكان أن يكون لم يضربه ، فلما أشكل أمره جعله من الثلث . [ ص: 3734 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية