باب فيمن حلف بعتق عبده ألا يكلم فلانا ، فباعه ثم عاد إليه ، هل يعود عليه اليمين؟
وقال : فيمن مالك ثم عاد إليه إنه إن عاد إليه بشراء أو هبة أو صدقة أو وصية عادت عليه اليمين ، فإن كلم فلانا ، حنث . وإن عاد إليه بميراث لم يحنث ، قال : لأنه لا يتهم في الوراثة أن يكون باعه ليرثه ، والشراء والصدقة هو جر ذلك إلى نفسه . يريد : أنه يتهم أن يظهر البيع فيه ولم يبعه . واختلف في هذه المسألة في موضعين : حلف بعتق عبده ألا يكلم فلانا فباعه
أحدهما : إذا اشتراه اختيارا .
والثاني : إذا بيع عليه في فلس ثم اشتراه ، فقال ابن بكير : إذا باعه من غير فلس ، ثم اشتراه لم تعد عليه اليمين; لأن الملك الذي حلف عليه به سقط وحمله على البراءة من التهمة ، وإذا كان الوجه في التفرقة بين الميراث وغيره التهمة ، وجب أن ينظر إلى هذا المشتري ، فإن كان ممن يتهم أن يواطئ الحالف على مثل ذلك حنث ، وإن كان من أهل الدين والفضل أو تداولته الأملاك حتى بعدت التهمة رأيت ألا يحنث . وقال : إذا ورث بعضه ، واشترى بقيته إن اليمين يعود عليه وليس بالبين; لأن التهمة ترتفع برجوعه بالميراث ، ولا [ ص: 3724 ] يتبعض الحكم فيكون فيه متهما غير متهم ، وكذلك الوصية لا يتهم من كان عنده أن يتقلد عند الموت أن يرق حرا . وكذلك لو باعه من رجل فمات المشتري فاشتراه من ورثته أو أسر العبد فاشتراه من المغنم ، لم يحنث .
واختلف إذا بيع على الحالف في فلس ثم اشتراه وألا يعود عليه اليمين أصوب; لأنه لا يتهم أن يكتم ماله حتى يباع في فلس ثم يواطئ من يشتريه من السلطان ، وقد يسجن حتى يثبت فقره .
ولم يختلف المذهب أنه إذا باعه طوعا ، ثم كلم المحلوف عليه ثم اشتراه فلم يعاود الكلام ، أنه لا يحنث بالكلام الذي كان وهو عند غيره ، وكذلك إذا كانت فقال : إن ذبحت هذه الشاة أو تزوجت فلانة ، فباع العبد ثم تزوج تلك المرأة أو ذبح تلك الشاة ثم اشتراه ، أنه لا يحنث . اليمين بما لا يتكرر فعله
وقال فيمن حلف إن كلم فلانا فباعه ، ثم كلمه ثم رد [ ص: 3725 ] بعيب ، فإنه يحنث بذلك الكلام الذي كان قبل أن يرد عليه ، وإن رضيه المشتري بالعيب لم يحنث ، وإن أدى قيمة العيب حنث . يريد : إذا أدى قيمة العيب قبل فوت العبد; لأنه إذا قام برده كان الصلح كابتداء بيع ، ولا يحنث على قول ابن القاسم لأنه يراه شراء مرجع ، وإن صالحه عن العيب بعد الفوت ، لم يحنث قولا واحدا . أشهب;
وقال فيمن حلف بعتق عبده ليبيعنه إلى أجل سماه ، فباعه بعيب دلس به ثم رد بذلك العيب بعد الأجل إنه حانث . أشهب
وقال : لا يحنث; لأنه كان في ضمان المبتاع ورده كبيع ثان . فعلى قول عبد الملك بن الماجشون لا يحنث الأول إذا كلم المحلوف عليه ، ثم رد بعيب; لأنه لم يكن في ملكه . [ ص: 3726 ] عبد الملك
وقال في كتاب مالك محمد : إذا حلف بعتق عبيده ألا يكلم فلانا ، فوهبهم لولده أو لمن تحت يده ، فلا أرى ذلك مخرجا من يمينه .
يريد : أنه كلمه وهو في الهبة لم يعد إليه إنه يحنث; لأنه يتهم أن يكون أظهر الهبة ولم يهبه .
قال : ولا أرى أيضا أن يبيعه من أهله ، ولا يتصدق به عليهم ولا يبيع إلا من غيرهم بيع بتل لا دلسة فيه . قال مالك : فإن تصدق به على ابنه ثم فعل ما حلف عليه ألا يفعله ، كان الغلام حرا ، فإن كان قد حيز عليه كانت عليه القيمة للابن وهو حر . قال أشهب : وذلك في الابن الصغير ، وأما الكبير البائن فلا حرية له فيهم إذا حازه عنه . وقاله مالك في المجموعة في الكبير ، قال : وأما الصغير فيعتق عليه كما لو أعتق عبد ابنه [ ص: 3727 ] الصغير عن نفسه . أشهب
قال الشيخ : وليس حنثه بعقد تقدم قبل الهبة بمنزلة من يبتدئ العتق في ذلك العبد بعد الهبة; لأن هذا لم يحنث حتى زال عن ملكه ، ولم يستأنف فيه عتقا إلا أن يتهمه أن يكون أظهر الهبة ولم يهبه .