الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حفر بئرا في أرض مملوكة]

                                                                                                                                                                                        -وإن كان في أرض مملوكة كان صاحبها أحق بها في وجهين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه يحتاج إليه لإبله أو ماشيته، قال مالك: فإن فضل عنه شيء فليخل بين الناس وبينه .

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا كانت الأرض مزروعة فعطل زراعتها ووقفها للكلإ ليبيعه فإنه أحق به يبيعه، ويصنع به ما شاء، وإن لم يوقفها لذلك ولم تكن له حاجة ولم يكن له هناك سوق ولا من يشتريه، ولا يقدر صاحب الأرض أن يجمعه ليبيعه في موضع يباع فيه لم يمنع هؤلاء من رعيه; لأنه إن ترك فسد وصوح فيه، فهو يمنع ما لا ينفعه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان يقدر على بيعه على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال مالك: يخل بين الناس وبينه، وجعل الفاضل عن حاجته كغيره مما في الصحاري.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: لا بأس أن يبيع خصب أرضه ممن يرعاه عاما إذا بلغ أن يرعى ولا يبيعه عامين، وهذا خلاف قوله الأول.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: إنما ذلك له في مروجه وحماه، وليس في البور والعفاء ، إلا أن يكون عليه في تخلية المواشي مضرة، مثل أن يكون حول [ ص: 3272 ] الخصب زرع .

                                                                                                                                                                                        فأخذ أشهب بالقول الأول، وأنكر قول ابن القاسم أن له أن يبيع خصب أرضه، وقال: الكلأ يخرجه الله -عز وجل- عشبا لعباده، كالماء العذب الذي يخرجه الله تعالى على وجه الأرض، فلا يملك ولا يباع، ويجوز له أن يذب عنه ويحميه عند حاجته إليه، إلا أن يجزه ويحتمله فيبيعه، وأما قائما فلا، ولو جاز هذا لجاز للإمام في أرض العنوة أن يبيع كلأها حتى يجعلها كالسواد، وأخذ سحنون بالقول الآخر، وقال له أن يمنع مراعي أرضه وحيتان غديره; لأنه في ملكه .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: قد جاء الحديث "لا يمنع فضل الماء" ، و"لا يمنع نقع بئر وفضل الماء" ، ونقع البئر مما يملك، فإذا لم يكن له منع; لأن منع ذلك يضر بغيره ولا ينفعه لأنه يذهب تحت الأرض، فكذلك الكلأ فيما يملك إذا كان بموضع لا يباع فيه، وإن منع يبس وفسد، ولم يحتجه فيما يستقبل، فإنه يجبر على تسليمه بغير شيء، إلا أن يكون صاحبه يحصده ، ويحتمله للبيع فيكون أحق به كما قال أشهب، ويفارق فضل الماء لأن هذا قادر على أن يتموله، وفضل الماء يذهب تحت الأرض فلا ينتفع به، وعند ابن مزين: له أن [ ص: 3273 ] يمنع ويبيعه إذا كان قد حظر عليه، وأما الفدادين فلا.

                                                                                                                                                                                        - وإذا كان الكلأ في حائط كان له منعه; لأن ذلك مما يضره، وقال أشهب في كتاب محمد: يمنع إذا كان في الدخول ضرر ، ويجوز أن يأخذ فيه حينئذ ثمنا، ويكون الثمن للضرر الذي يدخل عليه في زرعه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية