فصل [في صفة تصرفه في اللقطة]
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في اللقطة: ، وقال أيضا في "عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها" البخاري ومسلم: ، وفي "فإن لم تعترف فاستنفقها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه" النسائي: ، فأباح له أن يتصرف فيها لنفسه بعد الحول. "فإن لم يجئ صاحبها فهي مال الله يؤتيه من يشاء"
واختلف في صفة تصرفه فيها، فقال لا أحب أن يأكلها وليحبسها أو يتصدق بها، فإن جاء صاحبها أداها إليه . وقال القاضي مالك: يكره أن يأكلها غنيا كان أو فقيرا، فإن أكلها جاز. يريد: ولا تنتزع منه إن لم يجئ صاحبها. وقال أبو الحسن علي بن القصار: له ذلك إن كان غنيا بمثلها. وقال ابن شعبان: في العتبية: ابن وهب . والذي يقتضيه قول إن كانت قليلة وكان فقيرا أكلها، فإن أتى صاحبها أداها إليه في المدونة أن له أن يستمتع به غنيا كان أو فقيرا، والذي يقتضيه قول ابن القاسم أن ذلك له إن كان غنيا. أشهب
واللقطة أربع: العين، والعروض، والحيوان، والطعام. فإن كانت عينا [ ص: 3201 ] جاز له التصرف فيها حسبما تقدم، وفيه جاء الحديث.
واختلف في العروض إذا باعه، فقال البيع جائز وإن بيع بغير أمر السلطان، وإن جاء صاحبها لم ينقض البيع . ابن القاسم:
وقال له أن ينقض البيع، وإن فات كان له الأكثر من القيمة أو الثمن. أشهب
وله بيع الحيوان والآبق بعد الحول فليس عليه أن يتكلف أمره أكثر من السنة، وإن كان طعاما لا يخشى فساده بعد السنة جاز بيعه عند ولم يجز عند ابن القاسم، وإن خشي فساده من سوس أو غيره جاز البيع وإن لم تتم السنة، فأجاز أشهب، بيع العروض، وحمل الحديث أنه بعد السنة في حكم من يئس منه، وعلى هذا يكون له أن ينفقها إن كانت عينا موسرا كان أو فقيرا، وحمل الحديث على العين خاصة لما كان لا ضرر على صاحبه في إنفاقه، وإذا لم يجز في العرض لم يجز أن ينفق العين إلا أن يكون موسرا بها فيضمنها إن أتى صاحبها. ابن القاسم
وكذلك الصدقة بها تجوز على القول الأول وإن كان الملتقط فقيرا، ولا تجوز على القول الآخر إلا أن يكون غنيا، يشهد للأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فشأنك بها"، وقوله: "فأنفقها"، فعم، ولم يقل إذا كان قادرا على الأداء، ويشهد للقول الآخر قوله "فأدها إليه"، فإذا كان مطالبا بالأداء فلا يباح لمن كان عاجزا عنه، والأول أبين لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فذلك مال الله يؤتيه من يشاء".
وقال إذا تصدق بها ثم جاء صاحبها، فإن كانت قائمة بأيدي [ ص: 3202 ] المساكين فله أخذها، وإن أكلوها لم يضمنوها ، وقال في الدمياطية في الذي يلتقط الثوب أو السيف فيتصدق به فيبيعه المساكين ثم يأتي صاحبها وهم قد أكلوه: أنه يرجع على الذي اشتراه من المساكين ويرجع الذي اشتراه من المساكين على الذي تصدق به عليهم. ابن القاسم:
وقال في مدونته: إن كانت بأيدي المساكين ولم يدخلها نقص لم يكن لصاحبها إلا أخذها، وسواء تصدق بها عن نفسه أو عن صاحبها، وإن نقصت كان بالخيار بين أن يأخذها بنقصها ولا تباعة له على الملتقط أو يضمنه قيمتها، فإن ضمنه قيمتها، وكان قد تصدق بها عن صاحبها كان للملتقط أن يرجع فيها فيأخذها، وإن تصدق بها عن نفسه لم يرجع فيها، وإن أكلها المساكين كان لربها أن يضمنهم إياها، فإن كان قمحا فأكلوه غرموا مثله أو حيوانا باعوه غرموا ما باعوه به إن شاء ربها، وإن شاء أخذ الملتقط بقيمتها يوم تصدق بها عن نفسه أو عن صاحبها . أشهب
ولا تخلو الصدقة بها من ثلاثة أوجه: إما أن يتصدق بها عن صاحبها أو عن نفسه، أو ليكون صاحبها بالخيار، فإن تصدق بها عن صاحبها وهي عين وكانت قائمة بأيدي المساكين لم يكن لصاحبها إلا أن يأخذها، وإن تصدق بها عن نفسه وهو موسر لم يأخذها وكان له أن يغرمها الملتقط، وإن كان ليكون صاحبها بالخيار وهو موسر، فكذلك أيضا ليس له أن يأخذها وهو بالخيار بين أن يكون له أخذها أو يغرمها الملتقط، وإن كانت عرضا وهو موجود بأيدي [ ص: 3203 ] المساكين كان الجواب على ما قاله وإن باعوه وغاب به المشتري عاد الجواب إلى ما تقدم في العين فيكون مقاله مع الملتقط، وإن لم يفت لم يكن له أخذه على قول أشهب، كما لو باعه الملتقط لنفسه إلا أن يكون أعطاه للمساكين صدقة عن صاحبه. ابن القاسم