فصل [مسائل وأحكام اللقطة]
الكلام في اللقطة من ستة أوجه:
أحدها: هل أخذها مباح أو مستحب أو واجب أو ممنوع. [ ص: 3193 ]
والثاني: موضع التعريف وصفته.
والثالث: الأمد الذي تعرف إليه.
والرابع: الوجه الذي تستحق به.
والخامس: ما يصنع بها بعد السنة إن لم يأت صاحبها.
والسادس: إن أتى بعد البيع أو الصدقة بها.
فأما أخذها فمستحب وواجب ومكروه وممنوع، وذلك راجع إلى حال الملتقط وإمام الوقت والناس الذين هي فيهم، وقدر اللقطة، فإن كان الواجد لها مأمونا ولا يخشى سلطان الموضع إن أنشدها أن يأخذها وهي بين ناس لا بأس بحالهم ولها قدر، كان أخذها وتعريفها مستحبا، وهذه صفة الحال حين سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "خذها"، ولأنه أحوط لصاحبها خوف إن تركت أن يأخذها من ليس بمأمون.
وإن كانت بين ناس غير مأمونين كان حفظها واجبا; لأن حفظ أموال الناس وألا تضيع واجب، وقد نهى الله -عز وجل- عن إضاعة المال، وهو داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; ولأن في تركها معونة على أكلها.
وإن كان السلطان غير مأمون ومتى أنشدت وعرفت أكلها منع من وجدها أن يعرض لها، وكذلك إن استفتى عن ذلك من ليس بمأمون ويخشى أن يستفزه الشيطان بعد أخذها أمر أن لا يقربها، وكل ذلك إذا كان لها قدر . [ ص: 3194 ]
وإن كانت حقيرة كره له أخذها; لأن الغالب فيما لا قدر له ألا يبالغ في تعريفه، ولا يحفل به آخذه، وهذا عقد هذه المسألة.
وقد اختلفت الروايات في ذلك، فاستحب في العتبية في الدنانير والدراهم أن يأخذها . مالك
وقال ينبغي أن تترك اللقطة ولا تؤخذ. وهذا مثل قول أبو إسحاق ابن شعبان. في المدونة في الكساء: أحسن حين رده. مالك
وقوله في الآبق إن كان لمن لا يعرفه: فلا يقربه إلا أن يكون لأخ أو لجار أو لمن يعرف، قال وإن لم يأخذه فهو في سعة، وكان ابن القاسم: يستحب له أن يأخذه . يريد: بعد أن يكون لمن يعرف. ومحمل قوله: ألا يقربه إذا كان لمن لا يعرفه على أن سلطان الموضع غير مأمون. مالك
قال في العتبية: فإن عرفه فلم يجد من يعرفه يخليه خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويؤكل، أو يطرح في السجن فلا يوجد من يطعمه. مالك
وقال: لا أحب لمن وجد لقطة أن يأخذها إلا أن يكون لها قدر .
وقال في الدلو والحبل: إذا كان في طريق وضع في أقرب المواضع إلى ذلك المكان يعرف فيه، وإن كان في مدينة انتفع به وعرفه، وإن تصدق به كان أحب [ ص: 3195 ] إلي، فإن جاء صاحبها كان على حقه .