فصل [فيما ينبغي للحكمين أن يفعلاه]
فإن لم يرياه فإنه لا يخلو من أربعة أوجه: إما أن يتبين أن الظلم في جنبته، أو في جنبتها، أو جنبتهما، أو يشكل الأمر. فإن كان الظلم منه طلقا عليه ولم يسقطا عنه شيئا من الصداق، وأثبتا لها النصف إن طلقا قبل، والكل إن طلقا بعد. وإن كان الظلم منها وكان لا يتجاوز الحق فيها عند ظلمها ائتمناه عليها وأقرت عنده، إلا أن يحب هو الفراق، فيفرقا، ولا شيء لها من الصداق. وينبغي للحكمين أن يعملا أولا في صلاح ذات البين وبقاء العصمة إن رأيا لذلك موضعا،
وقال في المبسوط: ولو حكما عليها بأكثر من الصداق جاز إذا كان ذلك سدادا. عبد الملك
وإن كان الظلم منهما فرقا ونظر في الصداق، فإن كان الطلاق قبل الدخول سقط عنه النصف، ونظر في النصف الآخر، فإن ترجح ظلمهما قسماه بينهما نصفين، وإن دخل قسما الجميع، وإن كان الظلم من أحدهما أكثر نظرا على ما يريان من ذلك.
فإن أشكل الأمر أيهما يظلم أو أيهما أظلم أجريا الحكم بمنزلة المساواة، وإن بقيت زوجة، وإن اجتمعا على الطلاق وحكم أحدهما بمال والآخر على غير مال، لم يلزم الزوج الطلاق، ولم يلزم الزوجة المال. قال حكم أحدهما بطلاق وآخر ببقاء الزوجية، إلا أن يمضي له المال فيلزم الطلاق [ ص: 2593 ] الزوج وتبين بذلك. ويجري فيها قول آخر ألا يلزمه الطلاق وإن أمضت له المال، قياسا على اختلاف الحكمين في الصيد. فقال عبد الملك: لا يجزئه إن أخرج أعلى ما حكما به، وكأنه أخرج بغير حكم; لأن الحكم لم يصح ولا يجوز أن يوقعا من الطلاق أكثر من واحدة. ابن القاسم:
واختلف إذا فعلا فأوقعا عليه طلقتين أو ثلاثا، فقال في المدونة، عبد الملك في كتاب وأشهب محمد: تلزمه طلقة، قال لأنهما لم يدخلا بما زاد على الواحدة صلاحا، بل أدخلا مضرة. وقال عبد الملك: في كتاب ابن القاسم محمد: يلزمه ما أوقعا عليه. والأول أصوب.
واختلف إذا حكم أحدهما بطلقة والآخر بالبتة، أو أحدهما بطلقتين والآخر بثلاث على ثلاثة أقوال: فقال يلزمه واحدة. وقال عبد الملك: محمد: لا يلزمه شيء. وعلى قول يلزمه طلقتين، والأول أصوب; لأنهما اجتمعا على طلقتين والثالثة ساقطة لانفراد أحدهما بها، وسقط ما زاد على الواحدة; لأن الضرر يرتفع بواحدة; لأنهما اتفقا على الطلاق، وألا تبقى زوجة أصوب فيمضي ذلك، وما اختلفا فيه من العدد لا يؤثر فيما اتفقا عليه في أن الطلاق صواب. [ ص: 2594 ] ابن القاسم
وإذا كان الزوجان مولى عليهما، وكان التحكيم من قبل من يلي عليهما، سلك في التحكيم في العدد وكونهما من الأهل مسلك بعث السلطان، وكذلك إذا كانا رشيدين وكان التحكيم من قبلهما اقتداء بكتاب الله عز وجل، فإن لم يفعلا وجعلا ذلك إلى واحد من غير الأهل مضى ولم ينقض، وهو قول في المدونة. عبد الملك
واختلف فقال إذا كان الزوجان رشيدين وحكما غير عدل أو امرأة أو صبيا أو صبية، حكمهما منقوض؛ لأنهما قد تخاطرا بما لا ينبغي أن يكون من الغرر بخلاف التمليك، يريد; لأن التحكيم يدخله المعاوضة وأخذ المال، فلم يجز فيه الغرر كالبياعات، والتمليك طلاق بانفراده فلم يقدح في وقوعه بالغرر، وإن حكم رجلين وهما يريان أنهما من أهل العدالة ثم تبين غير ذلك، فإنه يختلف هل يمضي حكمهما أم لا؟ وفي كتاب عبد الملك: محمد: أن الحكم ماض مثل ما لو قضى قاض بشهادتهما ثم تبين غير ذلك.
وقد اختلف في الشاهدين. وأرى أن يكشف عن حكمهما، فإن تبين أنهما أصابا الحق، مضى بمنزلة القاضي غير العدل، يقضي بقضية فإنه تعتبر أحكامه، فما وافق الحق مضى، وما لم يوافق الحق نقض، بخلاف الشاهدين; لأنا لا نقدر على معرفة صدقهما، ويقدر على معرفة صحة الحكم من سقمه، وإن أشكل الأمر لم يمض.
تم كتاب إرخاء الستور، والحمد لله حق حمده