حقيقة التوحيد، ومراتبه
قال الشيخ العلامة محمد بن الموصلي في كتابه: «سيف السنة الرفيعة لقطع رقاب الجهمية، والشيعة»:
التوحيد الذي حقيقته إثبات صفات الكمال لله تعالى، وتنزيهه عن أضدادها.
قد اصطلح أهل الباطل على وضعه للتعطيل المحض، ثم دعوا الناس إلى التوحيد، فخلعوا من لم يعرف معناه في اصطلاحهم، وظن أن ذلك هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل.
والتوحيد عندهم اسم لأربعة معان:
1-توحيد الفلاسفة.
2-وتوحيد الجهمية.
3-وتوحيد الجبرية.
4-وتوحيد الاتحادية.
فهذه الأربعة الأنواع من التوحيد جاءت الرسل بإبطالها، ودل على بطلانها العقل، والنقل.
توحيد الفلاسفة
أما توحيد الفلاسفة، فهو إنكار ماهية الرب الزائدة على وجوده، وإنكار صفات كماله، وأنه لا سمع له، ولا بصر، ولا قدرة، ولا حياة، ولا إرادة به ولا كلام، ولا وجه له، ولا يدين، وليس فيه معنيان متميز أحدهما عن الآخر البتة.
قالوا: لأنه لو كان كذلك، لكان مركبا، وكان جسما مؤلفا، ولم يكن واحدا من كل وجه. [ ص: 96 ]
فجعلوه من جنس الجوهر الفرد الذي لا يحس، ولا يرى، ولا يتميز منه جانب من جانب، بل الجوهر الفرد يمكن وجوده.
وهذا الواحد الذي جعلوه حقيقة رب العالمين مستحيل وجوده.
فلما اصطلحوا على هذا المعنى في التوحيد، وسمعوا قوله: وإلهكم إله واحد [البقرة: 163]، وقوله: وما من إله إلا إله واحد [المائدة:73]، نزلوا لفظ القرآن على هذا المعنى الاصطلاحي، وقالوا: لو كان له صفة، أو كلام، أو مشيئة، أو علم، أو حياة، أو قدرة، أو بصر، لم يكن واحدا، وكان مركبا مؤلفا.
فسموا أعظم التعطيل بأحسن الأسماء، وهو التوحيد، وسموا أصح الأشياء، وأحقها بالثبوت، وهو صفات الرب تعالى شأنه بأقبح الأسماء، وهو التركيب، والتأليف.
فتولد من بين هذه التسمية الصحيحة المعنى الباطل، جحد حقائق أسماء الرب، وصفاته، بل وجحد ماهيته، وذاته، وتكذيب رسله وكتبه، ونشأ من نشأ على اصطلاحهم مع إعراضه من استفادة الهدى والحق من الوحي.
فلم يعرف سوى الباطل الذي اصطلحوا عليه، فجعله أصلا لدينه.
فلما رأى ما جاءت به الرسل معارضة قال: إذا تعارض العقل والنقل، قدم العقل.