منقبة العرب
عن -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابن عباس رواه أحبوا العرب لثلاث؛ 1- لأني عربي، 2- والقرآن عربي 3- وكلام أهل الجنة عربي»، في «شعب الإيمان». البيهقي
فيه الأمر لوجوه ذكرها، والأمر حقيقة في الوجوب. والحديث يدل على بمحبة العرب وفي ذلك خلاف طويل بين الطوائف. والذي يظهر من النظر في أدلة الكتاب والسنة: فضيلة العرب على العجم، وهذا يفيد المساواة بينهما. وقد ذهب الشعوبية إلى التسوية، واستدلوا بدلائل. أنه لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم،
منها: أن الناس كلهم من طينة واحدة، وسلالة رجل واحد، وأم واحدة.
ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم». وآدم من تراب، ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى». أيها الناس! إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية، ألا كلكم لآدم،
ومنها: حجة عقلية، وهي: إن قالت العجم: الفخر كله أن يكون لأحد ملك أو نبوة. فإن زعمت العرب أنه ملك، فإن لنا ملوك الأرض كلها، من الفراعنة، والنمارد والعمالقة، والأكاسرة، والقياصرة. وهل ينبغي لأحد أن يكون له مثل ملك سليمان - عليه السلام-؟ وإنما هو رجل منا، أم لأحد مثل ملك إسكندر الذي ملك الأرض كلها، وبلغ مطلع [ ص: 498 ] الشمس ومغربها؟ وليس لأحد من ولد آدم مثل آثاره في الأرض.
ومنا ملوك الهند، كتب أحد منهم إلى من ملك الأملاك الذي هو ابن ألف ملك، وتحت ابنه ألف ملك.. إلى قوله: إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئا. أما بعد: فإني أردت أن تبعث إلي رجلا يعلمني الإسلام، ويوقفني على حدوده، والسلام. عمر بن عبد العزيز:
وإن زعمت أنه نبوة، فإن منا الأنبياء والرسل كلهم قاطبة، ما خلا أربعة، هود، وصالح، وإسماعيل، ومحمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومنا المصطفيان على العالمين: آدم، ونوح -عليهما السلام- وهما العنصران اللذان تفرع منهما نوع البشر، وجنس أشرف الحيوان. فنحن الأصل والفرع، وإنما أنتم غصن من أغصاننا. فقولوا بعدها ما شئتم، ولم تزل الأمم من الأعاجم، في كل شق من الأرض ملوكا تجمعها، ومدائن تضمها، وأحكاما تدين بها، وفلسفة تنتجها، وبدائع تقتنصها في الأدوات والصناعات. وللروم أشعار عجمية، قائمة الوزن والعروض. فما الذي يفتخر به العرب على العجم؟ وإنما هي كالذئاب العادية، والوحوش النافرة، يأكل بعضها بعضا، وأعار ابن بجير العرب باختلافها في النسب، واستخلافها للأدعياء.
هذا تقرير الشعوبية، وفيه الرطب واليابس، ولهذا رد ابن قتيبة عليها في كتاب «تفضيل العرب». وأما أدلتهم السابقة من السنة، فالمعنى في تلك وأمثالها: أن الناس كلهم من المؤمنين، سواء في طريق الأحكام المنزلة من عند الله، وفي الدار الآخرة، ولو [ ص: 499 ] أنهم كانوا سواسية في أمور الدنيا أيضا، ولم يكن لأحد على أحد فضل، لم يكن في الدنيا شريف ولا مشروف، ولا فاضل ولا مفضول، ولا يكون لقوله -صلى الله عليه وسلم-: وقوله -صلى الله عليه وسلم- في إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه»، قيس بن عاصم: وأجاب هذا سيد أهل الوبر». ابن قتيبة عن هذا كله، ورد عليهم في تباين الناس وتفاضلهم، والسيد منهم والمسود، والشريف والمشروف، وقال: لكنا نزعم أن تفاضل الناس فيما بينهم ليس بآبائهم وأحسابهم، ولكنه بأفعالهم وأخلاقهم، وشرف أنفسهم، وبعد هممهم. ألا ترى أن من كان دني الهمة، ساقط المروءة، لم يشرف، وإن كان من بني هاشم في روايتها، ومن أمية في أرومتها، ومن قيس في أشرف بطنها؟! وإنما الكريم من كرمت أفعاله، والشريف من شرفت خصاله، وهو المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: إلخ، وفي الحديث: إذا أتاكم كريم قوم... حسب الرجل ماله، وكرمه دينه».
وأقول: ما رأيت أعجب من ابن قتيبة في كتاب «فضل العرب»، ذهب فيه كل مذهب من فضائل العرب، ثم ختم كتابه بمذهب الشعوبية، فنقض في آخره كل ما بنى في أوله حيث قال: أعدل القول عندي في هذا الباب: أن الناس كلهم لأب وأم، خلقوا من تراب، وأعيدوا إلى تراب، وجروا إلى مجرى البول، ووطئوا على الأقدام، فهذا نسبهم الأعلى الذي يردع أهل العقول عن التعظيم والكبرياء، والفخر بالآباء، ثم إلى الله مرجعهم، فتنقطع الأنساب، وتبطل الأحساب إلى من كانت له تقوى الله وطاعته. انتهى حاصله.
وأقول: ليس مذهب الشعوبية في المساواة بين العرب والعجم بغلط، إنما خطؤهم في تقرير هذه المسألة وتحريرها، بإيراد أشياء ليست من أدلة الشرع في ورد ولا صدر، إذ هي أجنبية عن محل النزاع. والذي ختم به ابن قتيبة كتابه هو صحيح في نفس الأمر. والذي دل عليه القرآن والحديث، وتلخص منهما: أن العزة لله ولرسوله [ ص: 500 ] وللمؤمنين، وهم الأشراف الكرام، والذلة هي لغيرهم، ولو كانوا من الملوك العظام. وحيث إن العرب كلها أسلمت، صارت في أعلى رتبة النسب والحسب، وأن العجم لما لم يسلم منها إلا بعضها، ففيها الشريف والوضيع، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: رواه مسلم عن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا . أبي هريرة
فتقرر بهذا: أن العرب حبهم واجب؛ لما مر، وأن العجم حبها مقصور على وجود الإسلام والعلم. وبهذا الوجه، للعرب جهة مزية ما، ولو لا لها شيء، لكان ظهور وكون القرآن نزل بلغتهم، خاتم الرسل وسيد الأنبياء من العرب، لكفت هذه بدلا عن جميع الفضائل والمناقب. وقد جعل الله لكل شيء قدرا. ولولا مخافة الإطالة، وخشية طول المقالة من غير فائدة زائدة، وأنه ليس فيها كثير عائدة، لأرخيت عنان القلم، ولأتيت لك بما لا تعلم. وفيما حررناه كفاية للمعتبر، ومقنع للمختبر، وبالله التوفيق، وهو المستعان. ولغة أهل الجنة هي العربية،