المراد بالعترة وأهل البيت
بقي هنا الكلام في أن وما في معناهما، هل الذين كانوا في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أم من يكون منهم إلى قيام الساعة من بني المراد بالعترة وأهل البيت، - عليها السلام -؟ فاطمة
فالجمهور على أن المراد جميع أولاده -صلى الله عليه وسلم- إلى آخر الدهر، وعندي: أن المراد بهم: هم الموجودون منهم في عصر النبوة أولا بالذات، ولكن يدخل فيهم أيضا من وجد بعدهم من السادة القادة إلى العلم والعبادة؛ كالأئمة الاثني عشر من العترة، وبعض العلماء الصلحاء الأتقياء، الماشين على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- تبعا وبالعرض، ورحمة الله تعالى أوسع من ذلك. وليس الحديث مطلقا في كل من هو من نسل فاطمة -رضي الله عنها- سواء [ ص: 480 ] كان رافضيا، أو خارجيا، أو معتزليا، أو زيديا، أو إماميا، أو قدريا، أو مرجئا، أو مبتدعا، أو مشركا، أو ملحدا، أو داعية إلى بدعة من البدع. وأما قول بعض الصوفية: إن السادات كلهم ناجون، فقول لا يساعده نقل ولا عقل، بل حالهم حال سائر الأمة في العذاب والثواب، بل لهم العذاب المضاعف على فعل المنكرات؛ لأن التعزير على قدر الشرافة.
قال العلامة الشوكاني -رحمه الله- في «الفتح الرباني»: في جواب ما قيل من أن لا يعاقبون على ما يرتكبونه من الذنوب، بل هم من أهل الجنة على كل حال تكريما وتشريفا، هل ذلك صحيح أم لا؟ العصاة من أهل البيت
أقول: لا شك ولا ريب: أن أهل هذا البيت المطهر لهم من المزايا والخصائص والمناقب ما ليس لغيرهم. وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية شاهدة لهم بما خصهم الله به من التشريف والتكريم، والتبجيل والتعظيم.
وأما القول برفع العقوبات عن عصاتهم، وأنهم لا يخاطبون بما اقترفوه من المآثم، ولا يطالبون بما جنوه من العظائم، فهذه مقالة باطلة، ليس عليها أثارة من علم، ولم يصح في ذلك عن الله، ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- بحرف واحد. وجميع ما أورده علماء السوء، المتقربون إلى المتعلقين بالرياسات من أهل هذا البيت الشريف، فهو إما باطل موضوع، أو خارج عن محل النزاع. بل القرآن أعدل شاهد، وأصدق دليل على رد قول كل مكابر جاحد؛ فإنه قال -عز وجل- في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ، وليس ذلك إلا لما لهن من رفعة القدر، وشرافة المحل، بالقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وذريته الأطهار، هم أحق منهن بهذا المضمار؛ فإنهم أقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأشرف قدرا، وأعلى محلا، وأكرم عنصرا، وأفخم ذكرا. ولو كان الأمر كما زعمه هذا الزاعم، لم يكن لقوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين معنى، ولا كثير فائدة.
[ ص: 481 ] وإذا كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول البتول، التي هي بضعة منه، يغضبه ما يغضبها، ويرضيه ما يرضيها: لفاطمة فليت شعري! من هذا من أولادها الذي خصه الله بما لم يخصها به، ورفعه إلى درجة قصرت هي عنها؟! فأبعد الله علماء السوء، وقلل عددهم. فإن العاصين من أهل البيت الشريف المطهر إذا لم يكونوا مستحقين على معصية مضاعفة العقوبة، فأقل الأحوال أن يكونوا كسائر الناس. يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئا»،
فيا من شرفه الله بهذا النسب! إياك أن تغتر بما ينمقه لك أهل التبديل والتحريف. انتهى كلامه الشريف، وهو الذي وافقه الكتاب والسنة الصحيحة، ولا حجة في غيرهما. وإنما استرسل في هذا جمع من السادة الجهلة، الذين لهم صحبة من الروافض والشيعة، أو الذين تصوفوا بغير علم، واعتقدوا فيهم ما لم يكن لهم أن يعتقدوه، غلوا منهم في محبة أهل البيت، وسكرا بمودتهم، وأحاديث السكارى تطوى ولا تروى، اللهم إنك جعلتنا من ذرية نبيك -صلى الله عليه وسلم-، فارحم علينا، واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واغفر لنا إنك أنت التواب الرحيم.
وعن - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابن عباس رواه أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي . الترمذي
هذا الحديث كالتفسير للأحاديث المتقدمة، التي فيها والمعنى: اختيار حبهم لحب الرسول، كما أن حبه -صلى الله عليه وسلم- يكون لحب الله، وحب الله للتغذية إياكم، ويدل له القرآن: الحث على الأخذ بالعترة، والتذكير فيهم. قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [الشورى: 23].
[ ص: 482 ] وهذه المحبة لهم واجبة متحتمة على كل فرد من أفراد الأمة، ومن حرمها، فقد حرم خيرا كثيرا. ولكن لا بد فيها من لفظ الإفراط والتفريط؛ فإن قوما غلوا فيها فهلكوا، وفرط فيها قوم فهلكوا، وإنما الحق بين العافي والجافي، والغالي والخالي.
وعن -رضي الله عنه-: أنه قال -وهو آخذ بباب أبي ذر الكعبة-: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: رواه أحمد. ألا إن مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك
فيه تصريح بأن المحب لهم، والآخذ بهم ناج، والمتخلف عنهم، بترك حبهم، وتعظيمهم، وتقديمهم على غيرهم، هالك. والمراد بأهل البيت هنا: العترة الطاهرة، والذرية المطهرة خاصة، دون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وردت فيهن أحاديث أخرى تكفيهن، وهن هن. وحمل هذا الحديث على أهل العلم من أمته -صلى الله عليه وسلم- بعيد جدا، ولا حاجة إلى هذا الحمل؛ فإن لهم أيضا فضائل أخرى غير هذه، وهم هم، والله أعلم.