وعن - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أبي هريرة «من سلك طريقا يلتمس فيه علما».
قال في الترجمة أي: علما من علوم الدين، وإن كان قليلا، أو المراد: أن يكون في طريق العلم بوجه من الوجوه، أو سبب من الأسباب المحصلة له؛ كإنفاق المال، والتعلم، والتعليم، والتصنيف، والتأليف بسبب السلوك في طريق العلم، ويدخله فيها جزاء لطلبه، أو يوفقه لعمل صالح يكون سببا لدخول الجنة «سهل الله له به طريقا إلى الجنة» [ ص: 219 ] التي أعدها لمذاكرة العلم؛ كالمدارس، أو المساجد، أو بيوت الإقامة، فإن هذا كله بيت الله؛ لأنه سبحانه أعطاه ذلك. والأول أولى وأظهر «يتلون كتاب الله» على طريق الورد والوظيفة، مع التدبر في مبانيه ومعانيه «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله» أي: يقرئونه الناس، ويعلمونهم، ويبحثون في تحقيق معانيه، وتصحيح ألفاظه. «ويتدارسونه بينهم»
قال في الترجمة: الدرس بمعنى: القراءة، والتدريس: القراءة فيما بينهم. وأصل الدرسة -بالضم- والدراسة -بالكسر-: الرياضة.
أي: راحة الباطن، واطمئنان القلب الذي يخرج الميل إلى شهوات الدنيا، وخوف ما سوى الحق، ويعطي الحضور مع الله، والصفاء والنورانية. إلا نزلت عليهم السكينة»
وفي شرح الصحيح المختار أن السكينة شيء من المخلوقات، فيها الطمأنينة والرحمة، ومعها الملائكة، وقد تنزل في صورة الغمام لمسلم: يعني: الملأ الأعلى من الملائكة المقربين في جناب القدس؛ مباهاة ومفاخرة بعباده، وإلزاما للحجة على الملائكة الطاعنين في البشر بالعصيان. «وغشيتهم الرحمة من أرحم الراحمين، وحفتهم الملائكة من كل جانب، وذكرهم الله فيمن عنده»
يزم وصل خودم خواندياردر خلوت كنون رقيب حسد بيشيه كوبسوزازرشك
رواه مسلم.والحديث دليل على أن والسنة في حكمه. عاقبة طالب العلم، وسالك طريقه، محمودة، وأن لدرس القرآن فضيلة عظمى، لا يساويها فضيلة،
فالدارس لهما ذو سكينة ورحمة وذكر عند الله، وعند خاصته من الملائكة.
وفي حديث مرفوعا: أبي الدرداء رواه «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، [ ص: 220 ] وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي.
وسماه الترمذي: قيس بن كثير، والصحيح: كثير بن قيس كما في «المشكاة» وأورده في «تاريخه» في باب كثير، لا في باب قيس. البخاري
والحديث فيه دلالة عظيمة على فضيلة طالب العلم والعالم.
ووضع الجناح: كناية عن لين الجانب والانقياد، والرجوع بالرحمة والانعطاف.
ويحتمل أن يكون المراد: بسط الجناح تواضعا للطالب الذي يسعى في طريق الوصول بقرب الحق، لا سيما من كان سائر أحواله موافقا لطريقة طلب العلم، مطابقا لرضاء الحق.
وقال الطيبي: المراد بوضع الأجنحة: الامتناع من الطيران، والنزول لاستماع العلم، كما يشعر بذلك نزول السكينة، وطواف الملائكة لتلاوة القرآن.
وهذا الوضع منهم لهم، وفي الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما.
والمراد بمن في السموات: الملائكة، وبمن في الأرض: الجن والإنس، والملائكة الأرضية.
قيل: المراد بالحيتان: جميع الحيوانات.
وإنما خصها بالذكر؛ لأن الماء إنما ينزل من السماء ببركة العلماء. وفيه معيشة الحيتان، كما ورد: «بهم يمطرون، وبهم يرزقون».
والسبب في دعاء أهل العلم: أن صلاح العالم بالعلم، ولا شيء من أصناف أهل العالم إلا وصلاحه ووجوده وبقاؤه مقصود ومنوط بالعلم.
فكتب الله تعالى على كل صنف منهم الاستغفار للعالم؛ جزاء لما يصل إليه منهم.
قال في الترجمة: علم من هذا الحديث أن [ ص: 221 ] قال: والمراد بالعالم: من اكتفى بالعبادة الضرورية من الفرائض والسنن المؤكدات، بعد تحصيل العلم، وصرف سائر الأوقات باشتغال العلم بالتعليم والتصنيف ونحوهما، وفعله نشر العلم وترويج الدين. ذنوب أهل العلم مغفورة باستغفار أهل الأرض والسماء -إن شاء الله تعالى- وهو الغفور الرحيم.
والمراد بالعابد: من اشتغل بالعبادة، وعمر أوقاته بها، بعدما استحصل العلم.