كتمان اليهود للآيات
أما كتمان الآيات، فهو أنهم كانوا يخفون بعض الأحكام والآيات؛ ليحافظوا على جاه شريف، أو لأجل رياسة يطلبونها. [ ص: 86 ]
وكانوا يحذرون أن يضمحل اعتقاد الناس فيهم، ويلاموا بترك العمل بتلك الآيات.
ومن جملة ذلك: أن رجم الزاني مذكور في التوراة، وكانوا يتركونه لإجماع أحبارهم على ترك الرجم وإقامة الحد، وتسخيم الوجه مقامه، ويكتمون ذلك مخافة الفضيحة.
ومن جملة ذلك: أنهم كانوا يؤولون آيات فيها بشارة هاجر، وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- ببعثة نبي في أولادهما، وفيها إشارة بوجود ملة يتم ظهورها وشهرتها في أرض الحجاز، وتمتلئ بها جبال عرفة من التلبية، ويقصدون ذلك الموضع من أطراف الأقاليم، وهي ثابتة في التوراة إلى الآن.
وكانوا يؤولونها بأن ذلك إخبار بوجود هذه الملة، ليس فيه أمر بالأخذ بها، وكانوا يقولون: ملة ما كتبت علينا.
ولما كان هذا التأويل ركيكا، فلا يسمعه أحد، ولا يكاد يصح عند أحد، كانوا يتواصون بإخفائه، ولا يجوزون إظهاره لكل عام وخاص.
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم [البقرة: 76].
وما أجهلهم! كيف تحمل منة الله على هاجر وإسماعيل بهذه المبالغة، وذكر هذه الآية التشريعية أن لا يكون فيه حث وتحريض على الأخذ بها، وترغيب في التدين بها؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.