والأجل : عبارة عن مدة ضربت لأمر ، وقد يراد به : تمام هذه المدة التي هي تمام عمر الإنسان ، وتارة : الجزء الأخير من العمر .
ومن هنا يستعمل لفظ «الأجل» بمعنى : الموت . ; أي : قدر الرزق الواصل إليه من الطعام والشراب وسائر المنافع والمرافق ، «ورزقه» ; أي : عاقبة أمره ماذا يكون ؟ «وشقي أو سعيد»
وقد ورد في بعض الأحاديث ذكر الأثر ، والمضجع ، والمصائب أيضا . ولعل هذه الزيادات أوحيت إليه بعد هذا البيان .
ظاهر الحديث : أن الكتابة قبل هذا النفخ ، وإدخال الروح في البدن . «ثم ينفخ فيه الروح»
ولكن في رواية : أن الكتابة بعد نفخ الروح ، ورواية البيهقي البخاري أصح وأثبت . والله أعلم . ومسلم
وكما كان في كتب السعادة والشقاوة مع كتب العمل خفاء ، بين ذلك بقوله : من الإيمان الخالص ، والعمل الصالح «فوالذي لا إله غيره! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة» كناية عن قرب المسافة ودخول الجنة ، «حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع» الذي كتب في التقدير من الشقاوة وهو في بطن أمه ، «فيسبق عليه الكتاب من الكفر والشرك والفساد ، «فيعمل بعمل أهل النار» ; أي : النار ، فيدخلها» من الشرك والبدع المضلة والفساد «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار» الذي كتب وهو في البطن ، من السعادة ، فيعمل بعمل أهل الجنة ، «حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب» ; أي : الجنة . فيدخلها»
[ ص: 180 ] قال في الترجمة : المراد : أن هذا يقع على سبيل الندرة ، ولكن اقتضى غلبة لطف الله ورحمته أن انقلاب الناس وتحولهم من الشر إلى جانب الخير أكثر ، وعكسه في غاية القلة ونهاية الندرة . والحمد لله على ذلك . انتهى .
وأقول : يا ألله! إن كنت كتبتني في الأشقياء ، فاكتبني برحمتك في السعداء ، واختم عملي بالحسنى . متفق عليه .
وهذا الحديث دل على كما ورد في الحديث الآتي صريحا واضحا ، لا سترة عليه ، ولنعم ما قيل : الاعتبار بالخاتمة
حكم مستورى و مستى ، بمه بر خاتمت ست كس ندانست كه آخر بجه حالت كذرو
قال في الترجمة : اعلم أن في هذا الحديث حثا وترغيبا على مواظبة الطاعات ، ومراقبة الأوقات ، وحفظها عن المعاصي; خوفا من أن تكون هذه النفس النفس الأخيرة من العمر ، ويختم له بالخير .
غافل زاحتياط نفس يك نفس مباش شايد ، بمن نفس نفس وابسين بود
وهذا الكلام حسن على رغم من يتقاعد عن العمل بسماع خبر القضاء والقدر ، وينكر السعي فيه ، ويقول : إن ، وكل ما كتب فيه كائن ، ففيم العمل ؟ كما قال مثل ذلك بعض الصحابة - رضي الله عنهم - أيضا ، قبل فهم المقصود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبا لهم - : السعادة والشقاوة ودخول الجنة والنار ، كل ذلك بسابقة القدر والقضاء . «اعملوا ، فكل ميسر لما خلق»
يعني : توقفكم في العمل والإنكار عليه منكم بعد سماع قضية القضاء والقدر لا معنى له; لأن الأمر والنهي وردا من الشارع ، وأوتيتم قوة فهم الخطاب وخلق فيكم القصد والاختيار ، الذي تطيقون العمل به .
فلا بد أن يكون هاهنا شيء يؤمر به العباد ، ويطلب له منهم الفعل ، وينهى لأجله ، وإلا ، فلا فائدة في الأمر والنهي ، وبعث الرسل وإنزال الكتب . وهذا سر [ ص: 181 ] غامض لا يمكن الوصول إلى كنهه ، وكم من أسرار لم يطلع الله عليها العباد!
وفي الحقيقة ، ليس عمل ولا حقيقة بموقوف على كشفه; فإنه تعالى مالك الملك ، ومن تصرف في ملكه ومماليكه ، لا يكون ذلك منه ظلما ، يعذب من يشاء ، ويرحم من يشاء .
ومنتهى كلام المتكلمين في هذا المقام : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
قال المحققون من أرباب الكشف : إن التكليف بالأمر والنهي اقتضته صفة الربوبية ، وعهد العبودية .
وفائدته : إبراز مكنون العلم والإرادة ، وإظهار حقائق بواطن العباد; ليظهر أيهم سعيد ، وأيهم شقي ، ومن هو مطيع منهم ، ومن هو عاص ؟
كما قال تعالى : ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك : 2] .
وفي الحقيقة المقصود من ذلك : إظهار مقتضيات الأسماء والصفات والكمالات لذاته المقدسة ، وهو المراد من إيجاد هذا العالم «كنت كنزا مخفيا ، فأحببت أن أعرف» . انتهى .
قلت : هذا الكلام من صاحب الترجمة نفيس جدا إلا هذه الجملة الأخيرة; فإن حديث الكنز المخفي لم يثبت عند العلماء بالحديث ، ولا يعلم الغيب إلا الله .
ومن أين لنا أن نعرف السر الإلهي في إيجاد العالم ، لا سيما إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين لنا من ذلك شيئا ؟
فالحق أن نؤمن ونعمل ، ونكل العلم بحقائق الأمور إلى باريها ، وفي هذا النجاة والأمن من التبعات . والله أعلم بالصواب .
وعن - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سهل بن سعد ; أي : بموجب سابقة الأزل ، وحكم عاقبة الأمر ، «إن العبد ليعمل عمل أهل النار ، وإنه من أهل الجنة» بحكم [ ص: 182 ] القضاء والقدر ، ويعمل بعمل أهل الجنة ، وإنه من أهل النار» ; أي : اعتبارها بالخاتمة على ماذا تتفق . وإنما الأعمال بالخواتيم»
وروي «خواتم» على وزن «مساجد» ، و «الخواتيم» على زنة «المصابيح» جمع خاتمة .
قال السيد - رحمه الله - : هذا تذييل للكلام السابق المشتمل على معناه; لمزيد التقرير .
وفيه حث على المواظبة بالطاعات ، والحفظ على المعاصي ، خوفا من أن يكون ذلك آخر عمره .
وفيه : فإنه لا يدري ماذا يصيبه في العاقبة . وفيه : أنه لا يجوز الشهادة لأحد بالجنة ولا بالنار . انتهى متفق عليه . زجر عن العجب والتفرح;