النصوص الدالة على إثبات القدر من الكتاب والسنة
وعن - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : عبادة بن الصامت . «إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، فكتب ما كان ، وما هو كائن إلى الأبد»
قال في الترجمة : إنما قال : بالنظر إلى زمنه ، لا بالنسبة إلى زمان التقدير; لأنه ليس بالنسبة إلى الأزل الذي كتب فيه زمان ماض . رواه «ما كان وما يكون» ، قال : هذا حديث غريب إسنادا . الترمذي
قال في الترجمة : قد تقدم في المقدمة : أن الغرابة لا تنافي الصحة ، إلا أن يراد بها : الشذوذ . انتهى .
وفي حديث عبادة بن الوليد بن عبادة ، قال : حدثني أبي ، قال : وهو مريض أتخايل فيه الموت ، فقلت : يا أبتاه ! أوصني ، واجتهد لي ، فقال : أجلسوني ، فقال : يا بني! إنك لن تجد طعم الإيمان ، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله ، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره . عبادة
[ ص: 167 ] قلت : يا أبتاه ! وكيف أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال : تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك . يا بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة» . يا بني! إن مت ولست على ذلك ، دخلت النار . رواه دخلت على ، أحمد ، ورواه وأبو داود بسنده المتصل إلى الترمذي ، عن عطاء بن أبي رباح الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، وقال : حسن ، صحيح ، غريب .
قال في «فتح المجيد» : وفي هذا الحديث ونحوه : ، وإحاطته بما كان وما يكون في الدنيا والآخرة . بيان شمول علم الله تعالى
كما قال تعالى : الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما [الطلاق : 12] .
وقد قال الإمام - حين سئل عن القدر - : القدر قدرة الرحمن . أحمد
واستحسن هذا ابن عقيل عن . أحمد
والمعنى : أنه لا يمتنع من قدرة الله شيء ، ونفاة القدر قد جحدوا كمال قدرة الله ، وضلوا عن سواء السبيل .
وقد قال بعض السلف : ناظروهم بالعلم ، فإن أقروا به ، خصموا ، وإن جحدوا ، كفروا .
قال العماد بن كثير - بعد رواية حديث المتقدم الذي فيه : علي - : وروي عن «حتى يؤمن بأربع» : أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمرو رواه «إن الله كتب مقادير السموات والأرض . . . بخمسين ألف سنة» . مسلم
وزاد : ابن وهب رواه «وكان عرشه على الماء» ، وقال : حديث حسن غريب . الترمذي
قال : وكل هذه الأحاديث ، وما في معناها ، وما فيها من الوعيد الشديد على [ ص: 168 ] عدم الإيمان بالقدر ، هي الحجة على نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم .
ومن مذهبهم ، وهذا الذي اعتقدوه من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي . تخليد أهل المعاصي في النار
وفي الحقيقة : إذا اعتبرنا إقامة الحجة عليهم بما تواترت به نصوص الكتاب والسنة من إثبات القدر ، فقد حكموا على أنفسهم بالخلود في النار ، إن لم يتوبوا ، وهذا لازم لهم على مذهبهم .
هذا ، وقد خالفوا ما تواترت به أدلة القرآن والحديث من إثبات القدر ، وعدم تخليد أهل الكبائر من الموحدين في النار . انتهى .
قال في الترجمة : المراد بكتب المقادير : إثباتها في اللوح المحفوظ بإجراء القلم عليها ، أو أمر الملائكة بكتبها .
وقال بعضهم : المراد بالكتب : التقدير والتعيين ، حتى لا يكون خلافه . وهذا هو التأويل .
والظاهر من كتبها : إثبات النقوش والحروف في اللوح ونحوه .
والمراد : طول المدة ، والمبالغة في التمادي بين التقدير وخلق السماوات والأرض ، لا تعيين هذا العدد وتحديده; لأنه كان تقدير مقادير الخلق وتعيينها في الأزل ، فلا يصح تعيين سبقها بعدد معين من الزمان ، كذا قالوا . «بخمسين ألف سنة»
وهذا القول مبني على تأويل الكتاب بالتقدير والتعيين .
ولا حاجة في حمل الكتابة على الحقيقة إلى هذا التأويل; لأنه يمكن أن يكون التقدير في الأزل ، والكتابة في لا يزال ، قبل خلق السموات والأرض بمدة مذكورة ، كما لا يخفى . انتهى .
قلت : والحق هو الحمل على الحقيقة دون المجاز . وعن - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر ; أي : بقدر الله تعالى وقضائه ، «كل شيء [ ص: 169 ] بقدر» اللذين هما من صفات الآدميين . «حتى العجز والكيس»
«والعجز» : ضد القدرة ، «والكيس» : خلاف الحمق .
وقال في الترجمة : المراد بالعجز : الضعف ، والقعود عن إمضاء الأمور بسبب ضعف الرأي ، وقلة العقل ، وفقد التجربة .
والمراد بالكيس : القوة ، والتعجيل في إمضاء الأمور بقوة الرأي ، وتصميم العزم . وهو - بفتح الكاف وسكون الياء التحتية - . انتهى .
وعن ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبي موسى ، ومن كل موضع منها أمر به الملك ، «إن الله تعالى خلق آدم من قبضة - بالضم ، وبالفتح - قبضها من جميع الأرض» ; أي : مبلغها من الألوان والطباع في الصور والسير «فجاء بنو آدم على قدر الأرض» ; أي : اللين والهين ، «منهم الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، وبين ذلك ، والسهل» - بفتح الحاء وسكون الزاي - : الغليظ ، وهو ضد السهل ، «والحزن» ; أي : النجس ، والطاهر ، والمكروه ، والمحبوب . «والخبيث والطيب»
والخبيث من الأرض : ما لا ينبت ، وضده الطيب .
وهذه الصفات الأربعة تتعلق بالباطن ، كما أن الخصال الأربعة الأولى تتعلق بالظاهر . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود .
والحديث دليل على صحة القضاء والقدر ، وأن ما هو كائن قد سبق به القدر والقضاء ، وليس الأمر بأنف .
وعن ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عبد الله بن عمرو . «إن الله خلق خلقه في ظلمة ، فألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول : جف القلم على علم الله»
قال في الترجمة : قيل : المراد : خلق الجن والإنس ، ويحتمل أن يكون مختصا بالإنس .
[ ص: 170 ] والمراد بالظلمة : ما جبلوا عليه من أهواء النفس وشهواتها الردية الطبيعية ، الموجبة للضلال والهلاك .
والمراد بالنور المضاف إلى الحق : النور الذي خلقه من الآيات البينة ، والحجج النيرة المنبثة في الأنفس والآفاق ، من الدلائل العقلية والنقلية .
والمراد بإصابة هذا النور : الاعتبار به ، والانتفاع ، والاستدلال على وجود الباري تعالى وصفاته ، وحقية دين الإسلام .
فمن شاء أن يهديه بتلك الأنوار والآيات ، وينفعه بها ، هداه إلى الصراط السوي المستقيم ، ومن لم يرد هدايته ، وأراد حرمانه من ذاك النور ، ضل عنه وغوى .
كما قال تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [الأنعام : 122] ، وقال : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه [الزمر : 22] ، وهذا دليل على أن الهداية والضلالة بمشيئة الحق ، وتدبيره - جل وعلا . رواه ، أحمد . والترمذي
قال في الترجمة : إن قيل : خلق الخلق في الظلمة في أي وقت كان ؟ فإن كان في وقت إخراج الذراري من ظهور بني آدم ، فكانوا كلهم مهتدين هناك ، مقرين بربوبية الحق ، لم يظهر أثر الضلالة أصلا .
وإن كان المراد : وقت الولادة والخروج من بطون الأمهات ، فكلهم في تلك الحالة منورون بنور الفطرة .
والجواب : إن في يوم ألست أقر بعضهم بربوبية الحق طوعا ورغبة ، وبعضهم كرها من جهة غلبة سطوة الجلال .
فمن أقر بالرغبة ، ألقي عليه نور الهداية ، وأصابه . ومن أقر بالكره ، حرم من ذلك النور .