معنى القنوت
قال في الترجمة : له معان متعددة : الطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والقيام ، والسكوت ، والمراد به هنا : القيام .
واختلف العلماء في أن طول القيام أفضل ، أم الطول في السجدة؟ فذهب بعضهم إلى الأول ، وآخرون إلى الآخر .
وقال بعضهم : ، وطول السجود أفضل في النهار ، ودلائل الفريقين مذكورة في «شرح سفر السعادة» ، وبعضهم على أن هذين الركنين كلاهما مساويان في الفضل . طول القيام أفضل في صلاة الليل
ففضيلة القيام بقراءة القرآن ، وفضيلة السجود بالهيئة من التذلل والخشوع .
ومذهب الحنفية : أن القيام أفضل; لكثرة المشقة ، وزيادة الخدمة فيه . انتهى .
[ ص: 124 ] قلت : هذا تعليل عقلي لحكم شرعي ، والأولى القصر على ما ورد ، من غير خوض في وجه حكمته ، وتفويض أمثال هذه المسائل إلى عالمها ، وهو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال : ، ولم يرض به ، وهذا في حق من لم تجب عليه الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام . قلت : أي الهجرة أفضل؟ قال : «أن تهجر ما كره ربك»
وأما من وجبت عليه مع وجود شرائطها ، فعليه أن يجمع بين هذين النوعين ، وإلا لم تنفع له هجرته .
قال : ، ولا بد أنه سعى غاية السعي ، واجتهد غاية الاجتهاد ، حتى وصل إلى هذه المرتبة العليا . قلت : فأي الجهاد أفضل ؟ قال : «من عقر جواده» ; أي : قتل فرسه ، وأهريق دمه»
وأيضا استحق ثواب الآخرة فقط ، ولم ينل غنيمة ولا مالا من الدنيا ، بل ذهب طاهرا من أن يأكل الدنيا بالدين .
قال : ; أي : الحصة الرابعة ، أو الخامسة منه ، فإن ضموا إليه الحصة السادسة ، كان شاملا للسدس الأخير أيضا . رواه أحمد . قلت : أي الساعات أفضل ؟ أي : لصلاة الليل ، قال : «جوف الليل الآخر»
هذا الحديث قد اشتمل على أوصاف حسنة عديدة ، ينبغي تحصيلها لكل مسلم مؤمن ، حتى يكون إيمانه كاملا ، وإسلامه تاما ، ويستحق ما لهذه الصفات من الأجور والمثوبات .
وعن - رضي الله عنه - : معاذ بن جبل تقدم شرح هذه الجملة قريبا ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان ، قال : «أن تحب لله ، وتبغض لله» . رواه وتعمل لسانك في ذكر الله» ، قال : وماذا أصنع بعد ذلك يا رسول الله ؟ قال : «أن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك» . وهذا من أصعب الأمور عند الجمهور إلا من وفقه الله ورحمه . أحمد
[ ص: 125 ] ولكن ينبغي لكل مؤمن ، أن يجهد في الاتصاف بهذه الصفة ، مهما أمكن ، ولا يتركها سدى .
وفيه دلالة على أفضلية هذه الخصلة ، ، وبيان فضيلة الذكر ، يحب ما يحب له ، وكراهة ما يكره له في حقهم . والحث على نصح المؤمنين
وعن - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر . المراد بالشهادة هنا : الإقرار بهذه الكلمة ، أو بما هو في حكمها; كقبول الجزية والصلح ، والدخول في الأمان ، أو كان صدور هذا القول قبل شرعية تلك الأحكام . «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله»
فيه : أن وجوب القتال ينتهي بالشهادة . «ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة»
وذكر هذه العبادات للإشارة إلى تمامها وكمالها ، بإتيان أركان الإسلام .
وقال بعض أهل العلم : إن القتال ثابت على ترك الواجبات والفرائض ، والإصرار عليه بالتأويل الفاسد ، كما قاتل - رضي الله عنه - مع مانعي الزكاة ، بل قالوا : إن ترك قوم سنة من شعائر الإسلام; كالأذان ، والختان ، ويصرون عليه ، فللإمام أن يقاتلهم على ذلك . أبو بكر
وإنما خص الصلاة والزكاة بالذكر; لأنهما أصل العبادات الفاضلة ، أو للإشارة إلى قسمي العبادة البدنية والمالية ، وهما تذكران في القرآن في موضع واحد كثيرا ، أو لعله لم يفرض في ذلك الوقت إلا هاتان العبادتان . ; أي : الشهادة والصلاة والزكاة ، «فإذا فعلوا ذلك» ، وحكم الشريعة; كالقصاص في القتل ، والحد في الزنا ، وكأخذ شطر المال ممن لا يؤدي الزكاة ، «عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام» ; أي : فيما يسترون من الكفر والمعاصي بعد ذلك ، يعني : نحن نحكم بظاهر الإسلام ، ونترك دماءهم ، وأموالهم معصومة . «وحسابهم على الله»
فإن كانوا أبطنوا الكفر ، أو المعصية ، فالله حسيبهم ، يحكم بينهم في الآخرة [ ص: 126 ] على حسب باطنهم . متفق عليه ، إلا أن مسلما لم يذكر : . «إلا بحق الإسلام»
قال في الترجمة : هذا الحديث دليل على قبول توبة الملحدين والزنادقة . فإن جاؤوا وتابوا ، نقبل منهم توبتهم ، ولا نقتلهم ، ونكل باطنهم إلى الله .
وللعلماء في هذه المسألة أقوال ، ذكرها الطيبي ، أصحها : القبول ، وأظهرها : إن ألحد أحد ، وقال قبيحا ، ثم رجع عنه قريبا ، وتاب رغبة في الإسلام ، تقبل توبته ، وإن أصر وتمرد من خوف الروح ، ودفع الوقت ، لا تقبل توبته . والله أعلم .
ومن قال : إن توبة هؤلاء ليست بمقبولة . فمرادهم : أنه يقتل ، فإن كانت توبته صحيحة في الواقع ، تنفعه في الآخرة . انتهى .
وعن - رضي الله عنه ، قال : أبي هريرة . أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال : «تعبد الله ، ولا تشرك به شيئا»
لم يذكر هنا الشهادتين; لشهرتهما ، أو السؤال عن عمل بعدهما) .
فإن فيه تشريك المخلوق بالخالق ، ولهذا ورد في الأحاديث : أنه شرك أصغر . والمراد بالشرك : إما عبادة الأوثان ، أو الرياء;
قال في الترجمة : والظاهر من الحديث : هو هذا المعنى . انتهى .
قلت : النكرة في سياق النفي ، وهو يعم كل شيء يصدق عليه شرعا أنه شرك ، ويدخل فيه الرياء دخولا أوليا . . وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة»
قال في «الترجمة» : الزكاة اسم لهذه الفريضة . والمراد بها هنا الصدقة . إنما خص الفرائض; لأنها في الأصل تكفي للنجاة من النار ، والدخول في الجنة ، ولعل الفرائص لم تكن في ذلك الوقت زائدة على هذا القدر . «وتصوم رمضان»
[ ص: 127 ] وحيث إن الأعرابي كان طالبا لأصل دخول الجنة ، قال : أي : لا أزيد عليه شيئا من النوافل ، ولا أنقص من هذه الفرائض وصاحب هذا الحال ناج بلا شك وشبهة ، وإن كان مسيئا بترك السنن ، وبترك النوافل ، محروما من المراتب والدرجات . والذي نفسي بيده ! لا أزيد على هذا ، ولا أنقص منه;
أو المراد : الزيادة على الحد المشروع ، والنقصان منه; كزيادة الركعة ونقصانها .
أو المراد : لا أزيد في السؤال ، ولا أنقص في القبول .
أو كان هذا السائل رسول قوم ، فحلف على عدم الزيادة والنقصان في تبليغ الأحكام إليهم أو هذا الكلام كناية عن المبالغة والشدة في الأخذ والاهتمام بأمر الشارع ، والأول أولى .
يعني : الذي يريد أن ينظر رجلا من أهل الجنة ، فلما ولى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة» . «فلينظر إلى هذا الرجل ويبصره
بشره صلى الله عليه وسلم بالجنة; لما رأى من صدقه ويقينه وعقيدته بأحكام الدين . متفق عليه .
وهذه البشارة تشمل كل من يعمل مثل عمل هذا الرجل ، ويتبع سيد الرسل في أوامره ونواهيه ، ولا يزيد عليها ولا ينقص منها .
ومن زاد أو نقص ، فهو عن هذه البشارة بمعزل; لأنه أفرط وفرط; كحال سائر الفرق غير الفرقة الناجية .
فمنهم من زاد ، ومنهم من نقص ، وخيرهم من تبع ، ولم يزد ولم ينقص .
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي ، قال : رواه قلت : يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . وفي رواية : غيرك . قال : «قل آمنت بالله» ; أي : بجميع ما يجب به الإيمان «ثم استقم» . يعني : اشهد [ ص: 128 ] بالتوحيد ، وصدق بالله ، وبأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وبما أخبر ، واقبل أمره ونهيه ، ثم التزم القيام بذلك كله . مسلم