[ ص: 113 ] علامة محبة الله ورسوله
وأمارة هذه المحبة : التشمير عن ساق الجد لاتباع الكتاب والسنة ، والبعد الكلي عن سلوك سبل البدعة ، أي بدعة كانت ، وجاءت من أي إنسان ، في أي زمان ومكان; لأن البدعة تنافي المحبة .
كيف والمحب لا يؤثر غير المحبوب ، ومن آثره ، فقد افترى ، وخرج عن صدق الدعوى؟ .
وعن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعا : العباس بن عبد المطلب ، واستسلم لقضائه وعبوديته ، وبالإسلام دينا ، وعمل بما فيه محتسبا مخلصا لله الدين «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا» ، وسلك طريق اتباعه . رواه «وبمحمد» صلى الله عليه وسلم «رسولا» . مسلم
قال في الترجمة : الإشارة إلى أن القلوب السليمة من أمراض الغفلة والهوى تذوق وتتنعم بلذائذ المعاني ، كما تتنعم النفوس بلذائذ الأطعمة .
وسلامة القلب وعافيته عن هذه الأمراض ، إنما تكون بهذه الأشياء الثلاثة ، ومن ليس كذلك ، فليس بواجد لحلاوة الإيمان ، ولا ذائق للذة الإسلام ، بل تنعكس له القضية ، ويتنفر من ذلك ، كما أن المريض يجد السكر مرا . انتهى .
اللهم إني رضيت بك ربا غفورا ، وبالإسلام ملة حنيفية سمحة سهلة بيضاء ، ليلها كنهارها ، وبرسولك خاتم الرسل وسيد الكل نبيا مرسلا ، هاديا ، مهديا ، شفيعا .
وعن - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس التي في الإسلام ، المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، «من صلى صلاتنا» التي هي كعبة الإسلام ، وبيت الله الحرام ، الواقعة في مكة المباركة ، «واستقبل قبلتنا» التي هي [ ص: 114 ] على الصفة المسنونة ، والهيئة المأثورة ، «وأكل ذبيحتنا» ; أي : عهده ، وأمانه ، وضمانه ، وحرمته ، وحقه . «فذلك المسلم الذي له ذمة الله»
والمعاني متقاربة ، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ; أي : لا تنقضوا عهده سبحانه . فلا تخفروا الله في ذمته»
والإخفار بمعنى : الغدر ، ونقض العهد . رواه . البخاري
قال في «المرقاة» : أي : لا تخونوا الله في عهده ، ولا تتعرضوا في حقه من ماله ودمه وعرضه . انتهى .
وقال في «الترجمة» : اكتفى بذكر هذه الثلاثة ، ولم يذكر أركان الإسلام من الشهادتين وغيرهما; لأن هذه الثلاثة هي الأمارات الصحيحة الدالة على تمييز المسلم; لأن صلاة الرجل تدل على اعترافه بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقبوله لما جاء به من عند الله .
وأفرد ذكر القبلة ، مع كونها داخلة في الصلاة; لأن أمرها مشهور ، وهي مخصوصة بصلاتنا ، بخلاف القيام ، والقراءة ، والركوع; فإنه يفعلها أهل الكتاب أيضا .
وأكل ذبيحة المسلمين أيضا خاص بأهل الإسلام ، واليهود لا يأكلون ذبيحتنا . انتهى .
قلت : إضافة الصلاة ، والقبلة ، والذبيحة إلى ضمير جمع المتكلم ، تدل دلالة واضحة ، على أن المراد به : من هو على طريقة السنة ، لا كل من صلى ، وأكل ذبائحنا .
فإن أهل الشرك والبدعة من دين الإسلام أيضا ، يصلون ، ويستقبلون ، ويأكلون الذبائح ، وهم عن الإسلام مارقون ، وللسنن الصحيحة وآيات الكتاب تاركون .
فلا يدخل في مدلول هذا الحديث إلا أهل الاتباع ، الذين ليست فيهم بدعة موجبة للكفر ، ولا شرك مخرج عن الدين ، وهم سالكون مسالك القرآن [ ص: 115 ] والحديث ، ولا يبالون بما هو خلاف ذلك ، ولا يقلدون أحدا غير من رضوا به رسولا ، واتخذوه دينا . وبالله التوفيق .
وعن - رضي الله عنه- ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي أمامة رواه «من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان» ، ورواه أبو داود عن الترمذي معاذ بن أنس ، مع تقديم وتأخير .
وفيه : أن أعماله كلها لله ، وكل ما يفعل يطلب به رضاء الحق ، ويريد به وجه الله .
فهذا هو الإيمان الكامل; لكون بنائه على الإخلاص التام لله - عز وجل - . وذلك مقام الصديقين ، رزقنا الله .
ولهذا ورد في حديث آخر عن مرفوعا : أبي ذر رواه «أفضل الأعمال : الحب في الله ، والبغض في الله» . أبو داود
قال في الترجمة : معنى هذا الحديث : معنى حديث ، وصار هذا العمل أفضل الأعمال; لما أن مبنى جميع الخيرات والباعث عليها ، هو حب الله سبحانه . أبي أمامة
فإذا غلبت محبة الله عليه; بحيث لم يذر شيئا ولا شخصا محبوبا إليه إلا الله ، ولا مبغوضا عنده إلا له سبحانه ، فلا بد أن يكون هذا باعثا على امتثال جميع أوامره ، والانتهاء عن جميع نواهيه .
ومثل هذا الحديث من جوامع الكلم التي جمعت جميع مراتب الإسلام والإيمان والإحسان ، وتضمنت تمام أحكام الشريعة ، وآداب الطريقة وأسرار الحقيقة .
قال الغزالي : إن أحب أحد طباخا على أنه يطبخ طعاما طيبا ، ويؤكله الفقراء والصلحاء ، فهذا الحب هو لله ، وفي الله . وإن أحب أستاذه; لأنه يعلم ، وهو يجعله وسيلة لاكتساب الدنيا ، فليس هذا الحب لله وفيه . انتهى .
[ ص: 116 ] وعن - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة . «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
قال في الترجمة : يعني : أن المسلم الكامل ، من كان لا يسب المسلمين باللسان ، ولا يغتابهم به ، ولا يقبحهم ، ولا يضربهم بيده ، ولا يؤذيهم ، ولا يغضب .
وخص «اللسان» و «اليد» بالذكر; لأن الإيذاء أكثر أنواعه يصدر من هذين العضوين واللسان ترجمان ما في نفس الإنسان ، وغالب الأفعال : تأتي باليد .
وقدم اللسان على اليد; لكون الإيذاء غالبا منه في الأحياء الحاضرين ، والأموات الماضين ، وفيمن يأتي من المسلمين . وإيذاء اليد خاص بالحاضرين .