وشرك الأمم كله نوعان:
شرك في الإلهية.
وشرك في الربوبية.
فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عباد الأصنام، وعباد الملائكة، وعباد الجن، وعباد المشايخ والصالحين، الأحياء منهم والأموات الذين قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3]، وهم [ ص: 71 ] يشفعون لنا عنده بسبب قربهم من الله، وكرامته لهم قرب كرامة كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك، وأقاربه، وخاصته.
والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب، وترده، وتقبح أهله، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى.
وجميع الرسل -صلوات الله عليهم- متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله من الأمم إلا بسبب هذا الشرك، ومن أجله، وأصله: الشرك في محبة الله تعالى.
قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله [البقرة: 165]، فأخبر أن وهذا على أصح القولين في الآية الشريفة أنهم يحبونهم كما يحبون الله. من أحب مع الله تعالى شيئا غيره كما يحبه، فقد اتخذ ندا من دونه،
وهذا هو الدليل المذكور في قوله سبحانه: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [الأنعام:1].
والمعنى: أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة.
وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم: تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين [الشعراء:98].
ومعلوم قطعا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم، وخالقهم؛ فإنهم كانوا -كما أخبر الله عنهم- مقرين بأن الله وحده هو ربهم، وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله تعالى وحده، وأنه رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، وأنه سبحانه هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير، ولا يجار عليه.
وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله تعالى في المحبة، والعبادة. [ ص: 72 ]
فمن أحب غير الله، وخافه، ورجاه، وذل له، وخضع كما يحب الله، ويخافه، ويرجوه، ويخضع له، فهو المشرك، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله.
فكيف بمن كان غير الله أتم عنده، وأحب إليه، وأخوف عنده، وهو في مرضاته أشد سعيا منه في مرضاة الله؟
فإذا كان المسوي بين الله وبين غيره في ذلك مشركا، فما الظن بهذا؟
فعياذا بالله من أن يتسلخ القلب من التوحيد والإسلام كانسلاخ الحية من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحد، فهذا أحد أنواع الشرك.
والأدلة الدالة على أنه تعالى يجب أن يكون وحده هو المألوه تبطل هذا الشرك، وتدحض حجج أهله، وهي أكثر من أن يحيط بها إلا الله، بل كل ما خلقه الله تعالى فهو آية شاهدة بتوحيده، وكذلك كل ما أمر به، وخلقه، فهو أمره وخلقه.
وما فطر عليه عباده، وركبه فيهم من العقل شاهد بأنه الله الذي لا إله إلا هو، وأن كل معبود سواه باطل، وأنه هو الحق المبين، تقدس وتعالى عن ظنون الظانين.
فواعجبا كيف يعصى الإلـ ـه أم كيف يجحده الجاحد؟! ولله في كل تحريكة
وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد