ثم إذا خوله نعمة منه أي: أعطاه وملكه نسي ما كان يدعو إليه من قبل أي: نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه عنه من قبل أن يخوله ما خوله. وقيل: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به، وتركه، أو نسي ربه الذي كان يدعوه ويتضرع إليه، ثم جاوز ذلك إلى الشرك بالله. وهو معنى قوله سبحانه: وجعل لله أندادا أي: شركاء من الأصنام، أو غيرها، يستغيث بها، ويعبدها. وقال يعني: أندادا من الرجال، يعتمد عليهم في جميع أموره. انتهى. السدي:
ويدخل في ذلك: الأنبياء، والأولياء، وغيرهم ممن يعبدهم المشركون، ويستنصرون بهم، وينذرون لهم في الشدائد، ولقضاء الحوائج ليضل عن سبيله أي: ليضل الناس عن طريق الله التي هي الإسلام والتوحيد.
ثم أمر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يهدد من كان متصفا بتلك الصفة فقال: قل تمتع بكفرك أي: بشركك قليلا أي: تمتعا قليلا، فإن متاع الدنيا وزمانها قليل جدا.
[ ص: 124 ] إنك من أصحاب النار أي: مصيرك إليها عن قريب، وإنك ملازمها، ومعدود من أهلها على الدوام. وفي هذه الآية من التهديد أمر عظيم.
وقال تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة [الزمر: 45] معنى «اشمأزت»: نفرت، وقيل: انقبضت، وقيل: أنكرت، وقيل: قست، والأول أولى.
وكان المشركون إذا قيل لهم: لا إله إلا الله، انقبضوا، كما حكى الله تعالى عنهم في قوله: وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [الإسراء: 46].
وإذا ذكر الذين من دونه [الزمر: 45] من اللات والعزى إذا هم يستبشرون أي: يفرحون به ويبتهجون. وكذلك المشركون من المؤمنين إذا ذكرت لهم التوحيد، ودلائله، وتلوت آيات الكتاب العزيز، وأدلة السنة المطهرة الواردة في رد الشرك وأنواعه، رأيتهم تشمئز قلوبهم عن سماعها، وإذا ذكرت أولياءهم، وكراماتهم، وكشوفاتهم، وأتيت بحكايات مختلفة تدل على تصرفهم في الخلق، وإنجائهم المريدين من الشدائد والآفات، وبينت أن السفر إلى قبورهم، والنذور لهم ينفع لكذا وكذا، صاروا فرحين مستبشرين، وقالوا لك: ما أحسن عقيدتك! وما أحق طريقتك! وأخذوا في ذم الذين أثبتوا التوحيد، وأنكروا طرائق الشرك والبدع، والرسوم والمراسم، وطعنوا فيهم، وفي كتبهم المؤلفة في هذا الباب، وردوا عليهم وعليها بما استطاعوا، ورموهم بكل حجر ومدر. وهذا من جهلهم بالشرائع، وتسويل الشيطان لهم أفعالهم، وأقوالهم هذه، والله المستعان، وبه التوفيق.
[ ص: 125 ]