واختلفوا في الإجابة ، كيف كانت ؟ . هل كانوا أحياء ، فأجابوا بلسان المقال ، أم أجابوه بلسان الحال ؟ ، والظاهر : الأول ، ونكل علم كيفيتها إلى الله -عز وجل - .
وكان هذا القول على وفق السؤال ؛ لأنه تعالى سألهم عن تربيتهم ، ولم يسألهم عن إلههم ، قالوا : بلى ، فلما انتهوا إلى زمان التكليف ، وظهر ما قضى الله في سابق علمه لكل أحد ، منهم من وافق ، ومنهم من خالف .
وقيل : تجلى للكفار بالهيبة ، وللمؤمنين بالرحمة ، فقال كلهم : بلى .
قيل : وكان ذلك قبل دخول الجنة ، بين مكة والطائف ، وقيل : بعد الهبوط منها .
وقال : في الجنة ، وقيل : بسراديب من علي أرض الهند ، وهو الموضع الذي هبط آدم فيه من الجنة ، وكل ذلك محتمل ، ولا يضرنا الجهل بالمكان بعد صحة الاعتقاد بأخذ العهد ، والله أعلم . [ ص: 380 ]
أخرج ، أحمد والنسائي ، وابن جرير ، وصححه ، والحاكم ، وابن مردويه عن والبيهقي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ابن عباس ألست بربكم إلى قوله : المبطلون . «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرها بين يديه ، ثم كلمهم ، فقال :
وإسناده لا مطعن فيه .
وأخرج ، عبد بن حميد ، والحكيم الترمذي ، والطبراني عن وأبو الشيخ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي أمامة ألست بربكم قالوا بلى الحديث . «لما خلق الخلق ، وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين ، وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه ، فاستجابوا له ، فقالوا : لبيك ربنا ، وسعديك ، قال:
والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، بعضها مقيد بتفسير هذه الآية ، وبعضها مطلق يشتمل على ذكر إخراج ذرية آدم من ظهره ، وأخذ العهد عليهم ؛ كما في حديث مرفوعا في «الصحيحين » ، وغيرهما . أنس
وأما المروي عن الصحابة في تفسير هذه بإخراج ذرية آدم من صلبه في عالم الذر ، وأخذ العهد عليهم ، وإشهادهم على أنفسهم ، فهي كثيرة جدا .
وقد روي عن جماعة ممن بعد الصحابة تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من ظهره .
وفيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها -مما قدمنا ذكره - ما يغني عن التطويل .
وقال أهل الكلام والنظر : قولهم : بلى شهدنا هو على المجاز ، لا على الحقيقة .
وهو خلاف مذهب جمهور المفسرين من السلف الصالحين الذين عليهم المعول في فهم مسائل الدين .
قال : مذهب أصحاب الحديث ، وكبراء أهل العلم في هذه [ ص: 381 ] الآية : أن الله أخرج ذرية ابن الأنباري آدم من صلبه ، وأصلاب أولاده ، وهم صور كالذر ، وأنهم مصنوعه ، فاعترفوا بذلك، وقبلوه ، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم ، كما جعل للجبال عقولا حتى خوطبوا بقوله : وأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم يا جبال أوبي معه [سبا : 10] ، وكما وكذلك الشجرة حتى سمعت لأمره ، وانقادت . جعل للبعير عقلا حتى سجد للنبي صلى الله عليه وسلم،
وقولهم : شهدنا إقرار له بالربوبية ، وقيل : شهدنا على أنفسنا بهذا الإقرار ، وليس في الآية ما يدل على بطلان ما ورد في الأحاديث .
وقد ورد الحديث بثبوت ذلك، وصحته ، ولله الحمد ، فوجب المصير إليه ، والأخذ به جمعا بينهما .
وحكى عن صاحب «النظم » : أنه قال: ليس بين قوله : إن الله مسح ظهر الواحدي آدم ، فأخرج منه ذريته » ، وبين الآية اختلاف بحمد الله تعالى ؛ لأنه تعالى إذا أخرجهم من ظهر آدم ، فقد أخرجهم من ظهور ذرية آدم ؛ لأن ذرية آدم كذرية بعضهم من بعض .
قيل : إنا لم تتذكر هذا العهد ، لأن تلك البنية قد انقضت ، وتغيرت أحوالها بمرور الدهور عليها في أصلاب الآباء ، وأرحام الأمهات ، وتطور الأطوار الواردة عليها من العلقة ، والمضغة ، واللحم ، والعظم ، وهذا كله مما يستوجب النسيان .
وكان -كرم الله وجهه - يقول : إني لأذكر العهد الذي عهد لي ربي . علي بن أبي طالب
وكذا كان يقول : ثم ابتدأهم بالخطاب على ألسنة الرسل ، وأصحاب الشرائع ، فقام ذلك مقام الذكر ، ولو لم ينسوه ، لانتهت المحنة والتكليف ، ولم يبلغنا في كون تلك الذرات مصورة دليل ، والأقرب إلى العقول عدم الاحتياج إلى كونها بصورة الإنسان ، والحكمة في أخذ الميثاق منهم إقامة الحجة على من لم يوف بذلك. سهل بن عبد الله التستري
والظاهر أنه لما ردهم إلى ظهره ، قبض أرواحهم ، وأما إن الأرواح أين [ ص: 382 ] رجعت بعد رد الذرات إلى ظهره ؟ فهذه مسألة غامضة ، لا يتطرق إليها النظر العقلي بأكثر من أن يقال : رجعت كما كانت عليه قبل حلولها في الذرات .
وورد أن كتاب العهد والميثاق مودع في باطن الحجر الأسود ، ذكره الشعراني في رسالته «القواعد الكشفية في الصفات الإلهية » ، وذكر فيها على هذه الآية اثني عشر سؤالا ، وأجاب عنها .