وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة ، فلنذكر منها ما تيسر .
الحديث الأول :
قال الإمام -رضي الله عنه - بسنده عن أحمد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عائشة
قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية .
وقال : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [المائدة : 72] .
وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا : فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله من صوم تركه ، أو صلاة ؛ فإن الله يغفر ذلك، ويتجاوز إن شاء . [ ص: 362 ]
وأما الديوان الذي لا يترك منه شيئا : فظلم العباد بعضهم بعضا لا محالة » تفرد به «الدواوين عند الله ثلاثة : ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله ، أما الديوان الذي لا يغفره الله : فالشرك بالله . . أحمد
الحديث الثاني :
قال في «مسنده » بسنده : عن البزار -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أنس بن مالك
فالظلم الذي لا يغفره الله : فالشرك ، وقال : إن الشرك لظلم عظيم [لقمان : 13] .
وأما الظلم الذي يغفره الله : فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم ، وبين ربهم .
وأما الظلم الذي لا يتركه : فظلم العبيد بعضهم بعضا ، حتى يدين لبعضهم من بعض » . «الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يترك الله منه شيئا .
الحديث الثالث :
قال -رحمه الله - بسنده عن أحمد أبي إدريس ، قال: سمعت يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : معاوية رواه «كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الرجل يموت كافرا ، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا » عن النسائي محمد بن المثنى ، عن صفوان ، به .
الحديث الرابع :
قال -رحمه الله - بسنده : إن أحمد حدث أبا ذر ابن غنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: تفرد به «إن الله يقول : يا عبدي ! إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لقيتك بقرابها مغفرة » من هذا الوجه . أحمد
الحديث الخامس :
قال -رحمه الله - بسنده : إن أحمد حدث أبا ذر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبا الأسود الدؤلي » أبي ذر . وأخرجاه أيضا من حديثه . «ما من عبد قال: لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك، إلا [ ص: 363 ] دخل الجنة » ، قلت : وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال: «وإن زنى وإن سرق » ، قلت : وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال: «وإن زنى وإن سرق » . ثلاثا ، وقال في الرابعة : «وعلى رغم أنف
وها هنا طريق آخر لحديث : أبي ذر
قال -رحمه الله - بسنده عن أحمد ، قال: أبي ذر قلت : وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق » من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنة ، أخرجاه من حديث كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم من حرة المدينة عشاء ونحن ننظر إلى «أحد » ، فقال : «يا أبا ذر ! » ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال: «ما أحب أن لي أحدا ذهبا أمسي ثالثة ، وعندي منه دينار ، إلا دينارا أرصده - يعني : لدين - إلا أن أقول به على عباد الله هكذا ، وهكذا » فحثى عن يمينه ، وعن يساره ، وبين يديه ، قال: ثم مشينا ، فقال : «يا أبا ذر ! إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة ، إلا من قال هكذا ، وهكذا » ، فحثى عن يمينه ، وبين يديه ، وعن يساره ، ثم مشينا ، فقال : «يا أبا ذر ! كما أنت حتى آتيك » ، قال: فانطلق حتى توارى عني ، قال: فسمعت لغطا ، وأصواتا ، فقلت : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له ، قال: هممت أن أتبعه ، قال: فذكرت قوله : «لا تبرح حتى آتيك » ، فانتظرته حتى جاء ، فذكرت له الذي سمعت ، فقال : ذاك جبريل أتاني ، فقال : ، به . الأعمش
وقد روى ، البخاري أيضا ، كلاهما عن ومسلم قتيبة ، بإسنادهما عن ، قال: أبي ذر ، جعلني الله فداك ، قال: «يا أبو ذر ! تعال » ، قال: فمشيت معه ، فقال : «إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة ، إلا من أعطاه الله خيرا ، فجعل يبثه عن يمينه ، وشماله ، وبين يديه ، ووراءه ، وعمل فيه خيرا » ، وقال : فمشيت معه ساعة ، فقال : «اجلس ها هنا » ، قال: فأجلسني في قاع حوله حجارة ، فقال : «اجلس هاهنا حتى أرجع إليك » ، فانطلق في الحرة لا أراه ، فلبث عني ، حتى إذا طال اللبث ، ثم إني سمعته وهو [ ص: 364 ] مقبل ، وهو يقول : «إن زنى ، وإن سرق ؟ » ، قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت : يا نبي الله ! جعلني الله فداك ، من تكلم من جانب الحرة ؟ فإني سمعت أحدا يرجع إليك ، قال: «ذاك أبا ذر جبريل عرض لي من جانب الحرة ، فقال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : يا جبريل ! وإن سرق ، وإن زنى ؟ قال: نعم ، وإن شرب الخمر » . خرجت ليلة من الليالي ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان ، قال: فظننت أنه يكره أن يمشى معه ، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر ، فالتفت ، فرآني ، فقال : «من هذا ؟ » ، فقلت :
الحديث السادس :
قال في «مسنده » بسنده عن عبد بن حميد ، قال: جابر ، تفرد به من هذا الوجه ، وذكر تمام الحديث . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ! ما الموجبتان ؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا ، وجبت له الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئا ، وجبت له النار »
طريق أخرى :
قال بسنده عن ابن أبي حاتم ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جابر بن عبد الله «ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئا ، إلا حلت لها المغفرة ، إن شاء الله عذبها ، وإن شاء غفرها إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
ورواه الحافظ أبو يعلى في «مسنده » بسنده عن : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جابر إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الآية . «لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب » ، قيل: يا نبي الله ! وما الحجاب ؟ قال: «الإشراك بالله ، قال: ما من نفس لا تشرك بالله شيئا ، إلا حلت لها المغفرة ؛ إن شاء أن يعذبها ، وإن شاء أن يغفر لها ، ثم قرأ نبي الله :
الحديث السابع :
قال -رحمه الله - بسنده عن أحمد عبد الله بن ناشر من بني سريع ، قال: سمعت أبا رهم قاص أهل الشام يقول : سمعت يقول : أبا أيوب الأنصاري
قال أبو رهم : يا ! وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأكله الناس بأفواههم ، فقالوا : وما أنت بخبيئة رسول الله ؟ ! فقال أبا أيوب : دعوا الرجل عنكم ، أخبركم عن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أظن كالمستيقن ، إن خبيئة رسول الله أن يقول : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن أبو أيوب محمدا عبده ورسوله ، مصدقا لسانه قلبه ، إلا دخل الجنة » . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إليهم ، فقال : «إن ربكم -عز وجل - خيرني بين سبعين ألفا يدخلون الجنة عفوا بغير حساب ، وبين الخبيئة عنده ، فقال بعض [ ص: 365 ] أصحابه : أيخبأ ربك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وهو يكبر ، وقال : إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفا ، والخبيئة عنده » .
الحديث الثامن :
قال بسنده عن ابن أبي حاتم أبي سورة ابن أخي ، قال: أبي أيوب الأنصاري إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الحديث التاسع : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : إن لي ابن أخي لا ينتهي عن الحرام ، قال: «وما دينه ؟ » ، قال: يصلي ، ويوحد الله ، قال: «استوهبه من دينه ، فإن أبى ، فابتعه منه » ، فطلب الرجل ذلك منه ، فأبى عليه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره ، قال: وجدته شحيحا على دينه ، قال: فنزلت :
قال أبو يعلى بسنده عن -رضي الله عنه - ، قال: أنس . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ! ما تركت حاجة ، ولا داجة إلا قد أتيت ؟ قال: «أليس تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ؟ ثلاث مرات » ، قال: نعم ، قال: «فإن ذلك يأتي على ذلك كله »
الحديث العاشر :
قال -رحمه الله - بسنده : إن أحمد جوشن النهائي قال: قال لي : بإيماني ! لا تقولن لرجل : لا يغفر الله لك ، أو : لا يدخلك الجنة [ ص: 366 ] أبدا ، فقلت : يا أبو هريرة ! إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب ، قال: لا تقلها ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبا هريرة أبي القاسم بيده ! إنه لتكلم بكلمة أوبقت دنياه ، وآخرته » . «كان في بني إسرائيل رجل مجتهدا في العبادة ، والآخر مسرفا على نفسه ، وكانا متآخيين ، وكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على الذنب ، قال: فيقول : يا هذا ! أقصر ، فيقول : علي أوزاري ، أبعثت علي رقيبا ؟ إلى أن رآه يوما على ذنب ، قال له : ما لك ؟ ويحك أقصر ، قال: علي أوزاري ، أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك ، ولا يدخلك الجنة أبدا ، قال: فبعث إليهما ملكا ، فقبض أرواحهما ، واجتمعا عنده ، فقال للمذنب : ادخل الجنة ، وقال للآخر : أكنت على ما في يدي قادرا ؟ اذهبوا به إلى النار ، قال: والذي نفس
ورواه من حديث أبو داود ، حدثني عكرمة بن عمار ضمضم بن جوشن ، به .
الحديث الحادي عشر :
قال بسنده عن الطبراني - رضي الله عنهما - ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس . «قال الله -عز وجل - : من علم أني ذو قدرة على الذنوب ، غفرت له ، ولا أبالي ، ما لم يشرك بي شيئا »
الحديث الثاني عشر :
قال ، البزار بسندهما عن وأبو يعلى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس تفردا به . «من وعده الله على عمل ثوابا ، فهو منجزه له ، ومن توعده على عمل عقابا ، فهو فيه بالخيار »
وقال بسنده عن ابن أبي حاتم ، قال: ابن عمر إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فأمسك أصحاب صلى الله عليه وسلم عن الشهادة . كنا -أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لا نشك في قاتل النفس ، وآكل مال اليتيم ، وقاذف المحصنات ، وشهادة الزور حتى نزلت :
ورواه من حديث ابن جرير الهيثم بن حماد . [ ص: 367 ]
وقال بسنده عن ابن أبي حاتم ، قال: ابن عمر إن الله لا يغفر الآية ، قال: فلما سمعناها ، كففنا عن الشهادة ، وأرجينا الأمور إلى الله -عز وجل - . كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتاب حتى نزلت علينا هذه الآية :
وقال بسنده عن البزار ، قال: ابن عمر إن الله لا يغفر الآية .
وقال : «أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة » . كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول :
وقال عن أبو جعفر الرازي الربيع ، عن : أنه قال: عبد الله بن عمر لما نزلت : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، قام رجل ، فقال : والشرك بالله يا نبي الله ؟ فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك رواه . ابن جرير
وقد رواه من طرق عن ابن مردويه . ابن عمر
وهذه الآية التي في سورة «تنزيل » مشروطة بالتوبة ، ، ولهذا قال: فمن تاب من أي ذنب -وإن تكرر منه - تاب الله عليه إن الله يغفر الذنوب جميعا ؛ أي : بشرط التوبة ، ولو لم يكن كذلك، لدخل الشرك فيه ، ولا يصح ذلك ؛ لأنه تعالى قد ختم هاهنا بأنه لا يغفر الشرك ، وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء ؛ أي : وإن لم يتب صاحبه .
فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه ، والله أعلم .