وأما الآية الثانية ، فقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ؛ أي : وقوع الشرك به من أي شخص كان ، وبأي شيء كان .
ويغفر ما ؛ أي : كل شيء هو دون ذلك ؛ أي : من سائر المعاصي ، لكن لمن يشاء ؛ لأن جميع الأمور بمشيئته ، ثم ذكر قصة الشيخ . انتهى .
وقال الشيخ جلال الدين -رحمه الله تعالى - في تفسير «الجلالين » : إن الله لا يغفر أن يشرك به ؛ أي : الإشراك به ويغفر ما دون ذلك من الذنوب [ ص: 349 ] لمن يشاء والمغفرة له ؛ بأن يدخله الجنة بلا عذاب ، ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ، ثم يدخله الجنة .
ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ذنبا عظيما كبيرا . انتهى .
وأما الآية الثانية ، فلم يفسرها بشيء إلا قوله : بعيدا عن الحق . انتهى .
وقال الشيخ السيد معين الدين -رحمه الله تعالى - في تفسيره «جامع البيان » : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لا يغفر لعبد لقيه مشركا ، ويغفر ما دون الشرك ، صغيرة أو كبيرة لمن يريد تفضلا .
ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما يحتقر دونه الذنوب . انتهى .
وأما الثانية ، فقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به لمن لقيه مشركا ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء غفرانه ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ؛ فإنه . أعظم أنواع الضلالة ، وأبعدها عن الصواب
ثم ذكر قصة «طعمة » ، وقصة «شيخ » . انتهى .
وقال القرطبي في تفسير الآية الأولى إن الله لا يغفر أن يشرك به :
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا : إن الله يغفر الذنوب جميعا ، فقال له رجل : يا رسول الله ! والشرك ؟ فنزلت : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه .
فقال محمد بن جرير الطبري : قد أبانت هذه الآية أن -عز وجل - إن شاء عفا عنه ذنبه ، وإن شاء عاقبه عليه ، ما لم تكن كبيرته شركا بالله -جل وعز - . كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله
وقال بعضهم : قيد الله -جل وعز - ذلك بقوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [النساء : 31] .
فأعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ، ولا يغفرها لمن أتى الكبائر . [ ص: 350 ]
وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر «الفرقان » .
فإنه قال : نزلت سورة «النساء » بعد «الفرقان » بستة أشهر . زيد بن ثابت
والصحيح : أن لا نسخ ؛ لأن النسخ في الأخبار مستحيل .
وسيأتي بيان الجمع بين الآي في هذه السورة ، وفي «الفرقان » - إن شاء الله تعالى - .
وفي عن الترمذي -رضي الله عنه - قال: علي بن أبي طالب
ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال : هذا حديث حسن غريب . انتهى .
وأما الآية الثانية ، فقال : وفي قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به على الخوارج حين زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر .
وقد تقدم القول في هذا المعنى ، ثم ذكر قول علي المذكور .
قال : قال ابن فورك : وأجمع أصحابنا على أنه لا تخليد للفاسق ، وأن ؛ فإنه إن عذب بالنار ، فلا محالة أن يخرج منها بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بابتداء رحمة من الله تعالى . الفاسق من أهل القبلة إذا مات غير تائب
وقال الضحاك : إن شيخا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. . . إلخ . انتهى .
وقال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى - في تفسيره «فتح القدير » ما نصه :
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
هذا الحكم يشمل جميع طوائف الكفار من أهل الكتاب ، وغيرهم ، ولا يختص بكفار أهل الحرب ؛ لأن اليهود قالوا : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقالوا : ثالث ثلاثة .