التشبه ، والتشبيه كلاهما حقيقة الشرك
وكذلك ؛ كملك الملوك ، وحاكم الحكام ، وقاضي القضاة ، ونحوها . من تشبه به تعالى في الاسم الذي لا ينبغي إلا له سبحانه
وقد ثبت في «الصحيح » عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: . «إن أخنع الأسماء عند الله رجل يسمى بشاهنشاه ، ملك الملوك ؛ لا ملك إلا الله »
وفي لفظ : . «أغيظ رجل عند الله رجل تسمى بملك الأملاك »
وبالجملة : فالتشبه ، والتشبيه كلاهما حقيقة الشرك .
ولذلك كان من ظن أنه إذا تقرب إلى غيره بعبادة ما يقربه ذلك الغير إليه تعالى ، فإنه يخطئ ؛ لكونه شبهه به ، وأخذ ما لا ينبغي أن يكون إلا له .
فالشرك : منعه سبحانه حقه ، فهذا قبيح عقلا ، وشرعا ، ولذلك لم يشرع ، ولم يغفر لفاعله .
واعلم أن الذي ظن أن الرب سبحانه لا يسمع له ، ولا يجيب له إلا بواسطة تطلعه على ذلك، أو تسأل ذلك منه ، فقد ظن بالله ظن السوء .
فإنه إن ظن أنه لا يعلم ، ولا يسمع إلا بإعلام غيره له ، وإسماعه ذلك، فقد نفى علم الله ، وسمعه ، وكمال دراكه ، وكفى بذلك ذنبا .
وإن ظن أنه يسمع ، ويرى ، ولكن يحتاج إلى من يلينه ، ويعطفه عليهم ، فقد أساء الظن بأفضال ربه ، وبره ، وإحسانه ، وسعة جوده .
وبالجملة : فأعظم الذنوب عن الله تعالى إساءة الظن به ، ولهذا يتوعدهم في كتابه العزيز على إساءة الظن به أعظم وعيد ؛ كما قال تعالى : الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا [الفتح : 6] . [ ص: 308 ]
وقال سبحانه عن خليله إبراهيم -عليه السلام - : أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين [الصافات : 86-87] .
أي : فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره ، وظننتم أنه يحتاج في الاطلاع على ضروريات عباده لمن يكون بابا للحوائج إليه ، ونحو ذلك ؟ !
وهذا بخلاف الملوك ؛ فإنهم محتاجون إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم ، وعجزهم ، وضعفهم ، وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين .
فأما من لا يشغله سمع عن سمع ، ولا بصر عن بصر ، وسبقت رحمته غضبه ، وكتب على نفسه الرحمة ، فما تصنع الوسائط عنده ؟
فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى ، فقد ظن به أقبح الظن ، ومستحيل أن يشرعه لعباده ، بل ذلك ممتنع في العقول ، والفطر .
واعلم أن الخضوع ، والتأله الذي يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه كما قررناه ، ولا سيما إذا كان المجعول له ذلك عبدا للملك العظيم ، الرحيم ، القريب ، المجيب ، ومملوكا له كما قال: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم [الروم : 28] .
أي : إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه ، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به ، وهو الإلهية التي لا تنبغي لغيري ، ولا تصلح لسواي .
فمن زعم ذلك، فما قدرني حق قدري ، ولا عظمني حق تعظيمي .
وبالجملة : فما قدر الله حق قدره من عبد معه من ظن أنه يوصل إليه .
قال تعالى : يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له إلى أن قال: و ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز [الحج : 73] . [ ص: 309 ]
قال : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [الزمر : 67] .
فما قدر القوي العزيز الجليل حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل .