الدرجة الخامسة
أن الدعاء من العبادة، بل هو مخها، ورأسها، وأفضلها، وأساسها.
وفي الحديث: «أكرم شيء على الله الدعاء».
ورد: «إن أفضل العبادة الدعاء» أخرجه وصححه. الحاكم،
وورد: رواه «الدعاء هو العبادة» وفيه دلالة على الحصر؛ أي: حصر الخبر في المبتدأ لأجل الفصل، فيكون مفيدا للتنبيه بأفضليته، وللمبالغة، والاهتمام بشأنه، وقد سبق مرات أن معنى العبادة: التوحيد. الترمذي،
فالدعاء هو التوحيد، ودعاء غيره سبحانه شرك لا شك فيه. فمن دعا غير الله، فقد أشرك،
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف:55].
وقوله: وادعوه خوفا وطمعا [الأعراف: 56] جمع هاهنا دعاء العبادة، ودعاء المسألة، وأنهما مختصان بالله وحده، ولا ينبغي لأحد سواه.
وفي سورة «البقرة»: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [البقرة:186].
وقد دل سبب نزول هذه الآية على أن الدعاء هو النداء، والمسألة؛ لأنهم قالوا: هل ربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت، ذكره في «تفسير الجلالين».
وقال سبحانه في سورة «الإسراء»: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى [الإسراء: 110].
قال -رضي الله عنهما-: ابن عباس بمكة ذات ليلة، [ ص: 216 ] فجعل يقول: يا الله! يا رحمن! فقال أبو جهل: إن محمدا ينهانا عن آلهتنا، وهو يدعو إلهين، فأنزل الله هذه الآية. سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي سورة «نوح»: قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا [5-7].
فهذه نصوص صريحة واضحة، محكمة المبنى والمعنى في أن الدعاء عبادة، وأنه نداء، وأنه المنهي عنه لغير الله، وأن المنادى إله للمنادي، وأن ذلك شرك واضح.
وقد قال تعالى: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [الأنعام: 1]؛ أي: يسوون غيره به تعالى في العبادة، والدعاء.
وقال: قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين [الشعراء: 96-98]، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
وقال في سورة «الأعراف»: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون [الأعراف: 189- 190].