الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              377 (باب خمس من الفطرة).

                                                                                                                              وقال النووي: (باب خصال الفطرة).

                                                                                                                              (والفطرة: السنة). قاله الخطابي وأكثر العلماء. أي: أنها من "سنن" الأنبياء عليهم السلام. وقيل: هي "الدين".

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 146 ج3 المطبعة المصرية.

                                                                                                                              (عن سفيان. قال أبو بكر: ، حدثنا ابن عيينة، ، عن الزهري، ، عن سعيد بن المسيب) ، ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفطرة خمس" أو (خمس من الفطرة) ، الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ، وقص الشارب".] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه: (عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الفطرة خمس- أو خمس من الفطرة-).

                                                                                                                              [ ص: 77 ] هذا شك من الراوي، هل قال الأول، أو الثاني؟

                                                                                                                              وقد جزم في الرواية الثانية، فقال: "الفطرة خمس".

                                                                                                                              ومعناه: خمس من الفطرة. كما في الرواية الأخرى. "عشر من الفطرة".

                                                                                                                              وليست منحصرة في العشر. وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى عدم انحصارها فيها بقوله: "من الفطرة".

                                                                                                                              ثم فسر صلى الله عليه وسلم الخمس، فقال: "الختان" وهو قطع الجلدة التي تغطي "الحشفة" حتى ينكشف جميع الحشفة. وهذا في الرجل.

                                                                                                                              وفي المرأة قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج.

                                                                                                                              والصحيح من مذهب الشافعية، وكثير من العلماء، وجوب "الختان" على الرجال والنساء جميعا.

                                                                                                                              و هو "سنة" عند مالك.

                                                                                                                              "والاستحداد" هو حلق العانة؛ سمي استحدادا لاستعمال "الحديدة" وهي الموسى؛ وهو سنة.

                                                                                                                              والمراد به نظافة ذلك الموضع. والأفضل فيه "الحلق" ويجوز بالقص، والنتف، والنورة.

                                                                                                                              "والعانة" الشعر الذي فوق ذكر الرجل، وحواليه، وكذلك الشعر الذي حوالي فرج المرأة.

                                                                                                                              وعن ابن سريج أنه: الشعر النابت حول حلقة الدبر.

                                                                                                                              [ ص: 78 ] فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على "القبل، والدبر، وحولهما".

                                                                                                                              وأما وقت حلقه: فالمختار أنه يضبط بالحاجة، وطوله. فإذا طال حلق "وتقليم الأظفار" تفعيل من "القلم" وهو "القطع". وهو سنة.

                                                                                                                              ويستحب: أن يبدأ باليدين قبل الرجلين. فيبدأ بمسبحة يده اليمنى؛ ثم الوسطى؛ ثم البنصر؛ ثم الخنصر؛ ثم الإبهام. ثم يعود إلى اليسرى؛ فيبدأ بخنصرها؛ ثم ببنصرها، إلى آخرها.

                                                                                                                              ثم يعود إلى الرجلين: اليمنى، فيبدأ بخنصرها، ويختم بخنصر اليسرى. قاله النووي.

                                                                                                                              وأقول: "الاستحباب" حكم شرعي، لا يثبت إلا بدليل شرعي.

                                                                                                                              ولم أقف على دليل ذلك.

                                                                                                                              "ونتف الإبط" وهو سنة بالاتفاق. والأفضل فيه "النتف" لمن قوي عليه؛ ويحصل أيضا بالحلق، والنورة.

                                                                                                                              قال يونس بن عبد الأعلى: دخلت على الشافعي، وعنده "المزين" يحلق إبطه. فقال: علمت أن السنة "النتف"، ولكن لا أقوى على الوجع.

                                                                                                                              قال النووي: ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن.

                                                                                                                              "وقص الشارب" وهذا سنة أيضا، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن. وهو مخير بين "القص" بنفسه، وبين أن يولي ذلك غيره، ليحصل [ ص: 79 ] المقصود من غير هتك مروءة، ولا حرمة. بخلاف "الإبط، والعانة".

                                                                                                                              وأما "حد" ما يقصه: فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفه من أصله.

                                                                                                                              ومعنى: "أحفوا الشوارب" إحفاء ما طال على الشفتين.

                                                                                                                              وأما وقت قصه: فالمختار أنه يضبط بالحاجة وطوله. فإذا طال قص. وكذلك الضبط في نتف الإبط، وتقليم الأظفار، وغيره.

                                                                                                                              وأما حديث أنس الآتي في المتن: (وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط؛ وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة) فمعناه: لا يترك تركا يتجاوز به أربعين؛ لا أنه وقت لهم الترك أربعين.

                                                                                                                              ولا شك أن الله تعالى نظيف، يحب النظافة. فيكون قلة الترك أحب إليه. ويكفي لذلك أسبوع. وعليه عمل أكثر أهل النظافة.

                                                                                                                              ومعظم هذه الخصال ليست بواجبة عند أهل العلم، وفي بعضها خلاف، ولا يمتنع "قرن" الواجب بغيره. كما قال تعالى: ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) .

                                                                                                                              والإيتاء واجب، والأكل ليس بواجب، والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية