4217 باب منه

وهو في النووي، في: (كتاب الرؤيا).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 31، 32 جـ 15، المطبعة المصرية

[حدثنا أبو عامر ((عبد الله بن براد الأشعري)، وأبو كريب (محمد بن العلاء) -وتقاربا في اللفظ- قالا: حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة (جده) عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رأيت في المنام: أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل. فذهب وهلي [ ص: 441 ] إلى أنها "اليمامة" أو "هجر"، فإذا هي المدينة (يثرب)، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا، فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضا بقرا والله خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر"].

4217 بَابٌ مِنْهُ

وَهُوَ فِي النَّوَوِيِّ، فِي: (كِتَابِ الرُّؤْيَا).

(حَدِيثُ الْبَابِ)

وَهُوَ بِصَحِيحِ مُسْلِمٍ \ النَّوَوِيِّ، ص 31، 32 جـ 15، الْمَطْبَعَةِ الْمِصْرِيَّةِ

[حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ((عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ)، وَأَبُو كُرَيْبٍ (مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ) -وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ- قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ (جَدِّهِ) عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ. فَذَهَبَ وَهَلِي [ ص: 441 ] إِلَى أَنَّهَا "الْيَمَامَةُ" أَوْ "هَجَرُ"، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ (يَثْرِبُ)، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ"].

التالي السابق

الشرح

(الشَّرْحُ)

(عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ; (عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) وَآلِهِ (وَسَلَّمَ; قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ، إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي).

"الْوَهَلُ" بِفَتْحِ الْهَاءِ. مَعْنَاهُ: الْوَهْمُ وَالِاعْتِقَادُ. (إِلَى أَنَّهَا: الْيَمَامَةُ، أَوْ هَجَرُ): مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَهِيَ قَاعِدَةُ الْبَحْرَيْنِ. وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ (فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ "يَثْرِبُ") هُوَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى: "الْمَدِينَةَ". وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ [ ص: 442 ] وَسَلَّمَ: "طَيْبَةَ. وَطَابَةَ".

وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ: النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا "يَثْرِبَ" لِكَرَاهَةِ لَفْظِ التَّثْرِيبِ. وَلِأَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَسَمَّاهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "يَثْرِبَ".

فَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ. وَقِيلَ: لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَأَنَّ النَّهْيَ: لِلتَّنْزِيهِ، لَا لِلتَّحْرِيمِ.

وَقِيلَ: خُوطِبَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُهَا بِهِ؛ وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِهَا الشَّرْعِيِّ; فَقَالَ: "الْمَدِينَةُ، يَثْرِبُ".

(وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ، أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ. فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى، فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ).

"هَزَزْتُ وَهَزَزْتُهُ": وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ: بِالزَّايَيْنِ فِيهِمَا. وَفِي بَعْضِهَا: "هَزَّتْ وَهَزَّتْهُ" بِزَايٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ، وَإِسْكَانِ التَّاءِ. وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ.

(فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ، وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ) تَفْسِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الرُّؤْيَا، بِمَا ذَكَرَ: لِأَنَّ سَيْفَ الرَّجُلِ: أَنْصَارُهُ الَّذِينَ يَصُولُ بِهِمْ، كَمَا يَصُولُ بِسَيْفِهِ. وَقَدْ يُفَسَّرُ السَّيْفُ فِي غَيْرِ هَذَا بِالْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ، وَالْعَمِّ، أَوِ الْأَخِ، أَوِ الزَّوْجَةِ. وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى [ ص: 443 ] الْوِلَايَةِ، أَوِ الْوَدِيعَةِ. وَعَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ، وَحُجَّتِهِ. وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى سُلْطَانٍ جَائِرٍ. وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قَرَائِنَ تَنْضَمُّ، تَشْهَدُ لِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي الرَّائِي، أَوِ الرُّؤْيَةِ.

(وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا، بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيْرٌ. فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، يَوْمَ أُحُدٍ. وَإِذَا الْخَيْرُ، مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا اللَّهُ بَعْدُ، يَوْمَ بَدْرٍ).

قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ، زِيَادَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُنْحَرُ" وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتِمُّ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بِمَا ذُكِرَ.

فَنَحْرُ الْبَقَرِ: هُوَ قَتْلُ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ، الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ.

قَالَ عِيَاضٌ: ضَبَطْنَا هَذَا الْحَرْفَ، عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ: "وَاللَّهُ خَيْرٌ" بِرَفْعِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ، عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ. "وَبَعْدُ، يَوْمَ بَدْرٍ": بِضَمِّ دَالِّ "بَعْدُ"، وَنَصْبِ "يَوْمَ". قَالَ: وَرُوِيَ بِنَصْبِ الدَّالِ.

قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ بَدْرٍ الثَّانِيَةِ، مِنْ تَثْبِيتِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ جَمَعُوا لَهُمْ وَخَوَّفُوهُمْ، "فَزَادَهُمْ" ذَلِكَ: "إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَتَفَرَّقَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ؛ هَيْبَةً لَهُمْ.

[ ص: 444 ] قَالَ: وَقَالَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ: مَعْنَاهُ: ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ. أَيْ: صُنْعُ اللَّهِ بِالْمَقْتُولِينَ خَيْرٌ لَهُمْ، مِنْ بَقَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: وَالْأَوْلَى قَوْلُ مَنْ قَالَ: "وَاللَّهُ خَيْرٌ" مِنْ جُمْلَةِ الرُّؤْيَا. وَكَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ إِلَيْهِ، وَسَمِعَهَا فِي الرُّؤْيَا، عِنْدَ رُؤْيَاهُ الْبَقَرَ. بِدَلِيلِ تَأْوِيلِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ": "وَإِذَا الْخَيْرُ، مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ ... إِلَخْ" وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

(عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه; (عن النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم; قال: رأيت في المنام: أني أهاجر من مكة، إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي).

"الوهل" بفتح الهاء. معناه: الوهم والاعتقاد. (إلى أنها: اليمامة، أو هجر): مدينة معروفة. وهي قاعدة البحرين. وهي معروفة (فإذا هي المدينة "يثرب") هو اسمها في الجاهلية. فسماها الله تعالى: "المدينة". وسماها رسول الله، صلى الله عليه وآله [ ص: 442 ] وسلم: "طيبة. وطابة".

وقد جاء في حديث: النهي عن تسميتها "يثرب" لكراهة لفظ التثريب. ولأنه من تسمية الجاهلية. وسماها في هذا الحديث: "يثرب".

فقيل: يحتمل أن هذا كان قبل النهي. وقيل: لبيان الجواز. وأن النهي: للتنزيه، لا للتحريم.

وقيل: خوطب به من يعرفها به؛ ولهذا جمع بينه وبين اسمها الشرعي; فقال: "المدينة، يثرب".

(ورأيت في رؤياي هذه، أني هززت سيفا، فانقطع صدره. فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثم هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان).

"هززت وهززته": وقع في معظم النسخ: بالزايين فيهما. وفي بعضها: "هزت وهزته" بزاي واحدة مشددة، وإسكان التاء. وهي لغة صحيحة.

(فإذا هو ما جاء الله به من الفتح، واجتماع المؤمنين) تفسيره صلى الله عليه وآله وسلم، هذه الرؤيا، بما ذكر: لأن سيف الرجل: أنصاره الذين يصول بهم، كما يصول بسيفه. وقد يفسر السيف في غير هذا بالولد، والوالد، والعم، أو الأخ، أو الزوجة. وقد يدل على [ ص: 443 ] الولاية، أو الوديعة. وعلى لسان الرجل، وحجته. وقد يدل على سلطان جائر. وكل ذلك بحسب قرائن تنضم، تشهد لأحد هذه المعاني في الرائي، أو الرؤية.

(ورأيت فيها أيضا، بقرا، والله خير. فإذا هم النفر من المؤمنين، يوم أحد. وإذا الخير، ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي أتانا الله بعد، يوم بدر).

قد جاء في غير مسلم، زيادة في هذا الحديث: "ورأيت بقرا تنحر" وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر.

فنحر البقر: هو قتل الصحابة، رضي الله عنهم، الذين قتلوا بأحد.

قال عياض: ضبطنا هذا الحرف، عن جميع الرواة: "والله خير" برفع الهاء والراء، على المبتدأ والخبر. "وبعد، يوم بدر": بضم دال "بعد"، ونصب "يوم". قال: وروي بنصب الدال.

قالوا: ومعناه: ما جاء الله به بعد بدر الثانية، من تثبيت قلوب المؤمنين؛ لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم، "فزادهم" ذلك: "إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وتفرق العدو عنهم؛ هيبة لهم.

[ ص: 444 ] قال: وقال أكثر شراح الحديث: معناه: ثواب الله خير. أي: صنع الله بالمقتولين خير لهم، من بقائهم في الدنيا. قال: والأولى قول من قال: "والله خير" من جملة الرؤيا. وكلمة ألقيت إليه، وسمعها في الرؤيا، عند رؤياه البقر. بدليل تأويله لها بقوله "صلى الله عليه وآله وسلم": "وإذا الخير، ما جاء الله به ... إلخ" والله أعلم.