الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3520 [ ص: 89 ] باب منه

                                                                                                                              وقال النووي : (باب ثبوت الجنة للشهيد) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 44 - 46 ج 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس بن مالك، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة، عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان. فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أدري ما استثنى بعض نسائه. قال: فحدثه الحديث قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتكلم فقال: "إن لنا طلبة. فمن كان ظهره حاضرا، فليركب معنا". فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة. فقال: "لا إلا من كان ظهره حاضرا". فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى سبقوا المشركين إلى بدر. وجاء المشركون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدمن أحد منكم إلى شيء، حتى أكون أنا دونه". فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله! جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم. قال: بخ بخ؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بخ بخ؟" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها". فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر. ثم قاتلهم حتى قتل ] .

                                                                                                                              [ ص: 90 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 90 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه : (قال : بعث رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم بسيسة) هكذا هو في جميع النسخ : " بسيسة " بباء موحدة مضمومة ، وبسينين مهملتين مفتوحتين ، بينهما ياء ساكنة . قال عياض : وكذا رواه أبو داود ، وأصحاب الحديث .

                                                                                                                              قال : والمعروف في كتب السيرة : " بسبس ". وهو ابن عمرو (ويقال : ابن بشر) . من الأنصار ، من الخزرج . ويقال : حليف لهم .

                                                                                                                              قال النووي : ويجوز أن يكون أحد اللفظين اسما له ، والآخر لقبا .

                                                                                                                              (عينا) أي : متجسسا ورقيبا (ينظر ما صنعت عير أبي سفيان) هي الدواب ، التي تحمل الطعام وغيره من الأمتعة . قال في " المشارق " : العير ، هي الإبل والدواب ، تحمل الطعام وغيره ، من التجارات . قال : ولا تسمى عيرا ، إلا إذا كانت كذلك . وقال الجوهري : "العير" الإبل تحمل الميرة . وجمعها : " عيرات "، بكسر العين وفتح الياء .

                                                                                                                              (فجاء ، وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم - قال : لا أدري ، ما استثنى بعض نسائه - قال : فحدثه الحديث . قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتكلم ، فقال : إن لنا طلبة) بفتح الطاء وكسر اللام . أي : شيئا نطلبه . (فمن كان ظهره حاضرا ، فليركب معنا) . الظهر : الدواب التي تركب .

                                                                                                                              [ ص: 91 ] (فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم) ، بضم الظاء وإسكان الهاء .

                                                                                                                              أي : مركوباتهم .

                                                                                                                              وفي هذا : استحباب التورية في الحرب . وأن لا يبين الإمام جهة إغارته وإغارة سراياه ، لئلا يشيع ذلك فيحذرهم العدو .

                                                                                                                              (في علو المدينة) بضم العين وكسرها .

                                                                                                                              (فقال : لا. إلا من كان ظهره حاضرا . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، حتى سبقوا المشركين إلى بدر . وجاء المشركون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء ، حتى أكون أنا دونه) أي : قدامه متقدما في ذلك الشيء ، لئلا يفوت شيء من المصالح التي لا تعلمونها .

                                                                                                                              (فدنا المشركون ، فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم : قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض . قال : يقول عمير بن الحمام) بضم الحاء وتخفيف الميم ( الأنصاري) رضي الله عنه : (يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض ؟ قال : "نعم" . قال : بخ بخ . فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم : ما يحملك على قولك بخ بخ) فيه لغتان : إسكان الخاء ، وكسرها منونة . وهي كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير .

                                                                                                                              (قال : لا . والله ! يا رسول الله ! إلا رجاءة) بالمد ونصب التاء . وفي [ ص: 92 ] بعضها : "رجاء" بلا تنوين. وفي بعضها بالتنوين " ممدودان بحذف التاء " . وكله صحيح معروف في اللغة .

                                                                                                                              ومعناه : ما فعلته لشيء ، إلا لرجاء (أن أكون من أهلها . قال : "فإنك من أهلها" ، قال : فأخرج تمرات من قرنه) بفتح القاف والراء ، ثم نون . أي : جعبة النشاب .

                                                                                                                              (فجعل يأكل منهن . ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة . فرمى بما كان معه من التمر . ثم قاتلهم حتى قتل) .

                                                                                                                              قال النووي : فيه : جواز الانغمار في الكفار ، والتعرض للشهادة .

                                                                                                                              وهو جائز بلا كراهة ، عند جماهير العلماء.

                                                                                                                              وفيه : ثبوت الجنة للشهيد .

                                                                                                                              وفيه : المبادرة بالخير ، وأنه لا يشتغل عنه بحظوظ النفوس .




                                                                                                                              الخدمات العلمية