الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2742 [ ص: 426 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في: (كتاب اللعان) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 124 - 125 جـ10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب أيفرق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول؟ فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة فقلت للغلام: استأذن لي قال: إنه قائل، فسمع صوتي، قال: ابن جبير؟ قلت: نعم. قال، ادخل فوالله! ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة. فدخلت فإذا هو مفترش برذعة، متوسد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرحمن! المتلاعنان أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله! أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور والذين يرمون أزواجهم فتلاهن عليه، ووعظه وذكره. وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها وذكرها. وأخبرها أن عذاب [ ص: 427 ] الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله .إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم فرق بينهما ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن سعيد بن جبير، قال: سئلت عن المتلاعنين، في إمرة مصعب: أيفرق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر رضي الله عنهما" بمكة. فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنه قائل. هو من القيلولة. وهي النوم نصف النهار.

                                                                                                                              (فسمع صوتي. فقال: ابن جبير؟) برفع (ابن) . وهو استفهام.

                                                                                                                              أي: أأنت ابن جبير؟

                                                                                                                              (قلت: نعم. قال: ادخل. فوالله ! ما جاء بك هذه الساعة، إلا حاجة. فدخلت، فإذا هو مفترش بردعة) بفتح الباء.

                                                                                                                              [ ص: 428 ] وفي القاموس: البردعة: "الحلس" يلقى تحت الرجل. وقد تنقط داله. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وفيه: زهادة ابن عمر وتواضعه.

                                                                                                                              (متوسد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرحمن ! المتلاعنان، أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله ! نعم. إن أول من سأل عن ذلك: فلان بن فلان. قال: يا رسول الله ! أرأيت أن لو وجد أحدنا: امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم: تكلم بأمر عظيم. وإن سكت: سكت عن مثل ذلك. قال: فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يجبه. فلما كان بعد ذلك: أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه، قد ابتليت به. فأنزل الله عز وجل: هؤلاء الآيات، في سورة النور: { والذين يرمون أزواجهم }) .

                                                                                                                              قال النووي : اختلف العلماء في نزول آية اللعان; هل هو بسبب عويمر العجلاني؟ أم بسبب هلال بن أمية؟

                                                                                                                              فقال بعضهم: بسبب "عويمر"، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم له:

                                                                                                                              "قد أنزل الله فيك، وفي صاحبتك". وتقدم في أول الكتاب.

                                                                                                                              وقال الجمهور: بسبب "هلال"، لحديث مسلم في قصته. وفيه:

                                                                                                                              قال: وكان أول رجل، لاعن في الإسلام. [ ص: 429 ] قال الماوردي في الحاوي: قال الأكثرون: قصة هلال، أسبق من قصة العجلاني. قال: والنقل فيهما: مشتبه ومختلف.

                                                                                                                              وقال ابن الصباغ في الشامل: قصة هلال: تبين أن الآية نزلت فيه أولا. قال: وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعويمر، فمعناه: ما نزل في قصة هلال. لأن ذلك حكم عام لجميع الناس.

                                                                                                                              قال النووي : ويحتمل: أنها نزلت فيهما جميعا. فلعلهما سألا، في وقتين متقاربين، فنزلت الآية فيهما. وسبق هلال باللعان. فيصدق: أنها نزلت في ذا، وفي ذاك. وأن هلالا: أول من لاعن.

                                                                                                                              قالوا: وكانت قصة اللعان، في شعبان. سنة تسع من الهجرة. وممن نقله: عياض ، عن ابن جرير الطبري. انتهى حاصله.

                                                                                                                              قلت: وبه جزم أبو حاتم، وابن حبان.

                                                                                                                              وقيل: كان في السنة، التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما وقع في البخاري: "عن سهل بن سعد: أنه شهد قصة المتلاعنين، وهو ابن خمس عشرة سنة". وقد ثبت: أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا ابن خمس عشرة سنة .

                                                                                                                              وقيل: كانت القصة، في سنة عشر. ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم: في سنة إحدى عشرة. والله أعلم. [ ص: 430 ] ) فتلاهن عليه، ووعظه وذكره. وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) . وفعل بالمرأة كذلك. كما يأتي.

                                                                                                                              وفيه: أن الإمام يعظ المتلاعنين، ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة.

                                                                                                                              وأن الصبر على عذاب الدنيا، وهو الحد: أهون من عذاب الآخرة.

                                                                                                                              قال في النيل: فيه: دليل على أنه يشرع للإمام ذلك، قبل اللعان.

                                                                                                                              تحذيرا لهما وتخويفا: من الوقوع في المعصية. انتهى.

                                                                                                                              (قال: لا، والذي بعثك بالحق ! ما كذبت عليها. ثم دعاها، فوعظها وذكرها. وأخبرها: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا، والذي بعثك بالحق ! إنه لكاذب. فبدأ بالرجل.

                                                                                                                              فيه: أن الابتداء في اللعان: يكون بالزوج، لأن الله تعالى: بدأ به.

                                                                                                                              ولأنه: يسقط عن نفسه حد قذفها. وينفي النسب، إن كان.

                                                                                                                              ونقل عياض ، وغيره: إجماع المسلمين، على الابتداء بالزوج.

                                                                                                                              ثم قال الشافعي، وطائفة: لو لاعنت المرأة قبله، لم يصح لعانها.

                                                                                                                              وصححه: أبو حنيفة، وطائفة. وحجة الحنفية ومالك: أن الله عطف في القرآن بالواو. وهو لا يقتضي الترتيب.

                                                                                                                              وحجة الأولين: قوله صلى الله عليه وآله وسلم لهلال: "البينة، وإلا حد في ظهرك". وما في حديث آخر. [ ص: 431 ] فلو بدأ بالمرأة: لكان دفعا لأمر لم يثبت. وهو الذي بدئ به في الآية. (فشهد أربع شهادات بالله ! إنه لمن الصادقين. والخامسة: أن لعنة الله عليه، إن كان من الكاذبين) هذه: ألفاظ اللعان. وهي مجمع عليها.

                                                                                                                              (ثم ثنى بالمرأة: فشهدت أربع شهادات بالله ! إنه لمن الكاذبين.

                                                                                                                              والخامسة: أن غضب الله عليها، إن كان من الصادقين)

                                                                                                                              وإنما خصت المرأة بالغضب: لعظم الذنب بالنسبة إليها.

                                                                                                                              وأجمعوا على أن اللعان: لا يجوز مع عدم تحقق الزنا. واختلف في وجوبه على الزوج.

                                                                                                                              وظاهر حديث الباب: أنه: إنما يشرع بين الزوجين. وكذلك: قوله تعالى: { والذين يرمون أزواجهم } . فلو قال: أجنبي لأجنبية: يا زانية ! وجب عليه: حد القذف.

                                                                                                                              (ثم فرق بينهما)

                                                                                                                              استدل به: من قال: إن الفرقة بين المتلاعنين، لا تقع بنفس اللعان، حتى يوقعها الحاكم.

                                                                                                                              وأجاب من قال: تقع بنفس اللعان: أن ذلك بيان حكم، لا إيقاع فرقة. واحتجوا مما وقع في رواية، بلفظ: "لا سبيل لك عليها" [ ص: 432 ] وتعقب: بأن الذي وقع: جواب لسؤال الرجل عن ماله، الذي أخذته منه. ووقع في حديث لأبي داود: عن ابن عباس "رضي الله عنهما": (وقضى أن ليس عليه قوت، ولا سكنى، من أجل أنهما: يفترقان بغير طلاق، ولا متوفى عنها) .

                                                                                                                              قال في النيل: وهو ظاهر، في أن الفرقة: وقعت بينهما، بنفس اللعان. انتهى.

                                                                                                                              وقال في السيل - بعد سوق أدلة المسألة -: والحاصل: أنه قد ثبت: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فرق بينهما قبل الطلاق. فالفرقة بتفريق الحاكم: مغنية عن الطلاق. فإن وقع الطلاق: فذلك تأكيد للفرقة. ولا تتوقف الفرقة عليه. وإنما نسبه "من نسبه" إلى السنة: لكونه وقع بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينكره.




                                                                                                                              الخدمات العلمية