الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2488 باب منه

                                                                                                                              وذكره النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص176 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن سعد بن أبي وقاص، قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل. ولو أذن له لاختصينا . ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن سعد بن أبي وقاص ) رضي الله عنه ; (قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ).

                                                                                                                              قال النووي: قال العلماء: هو الانقطاع عن النساء، وترك النكاح، انقطاعا إلى عبادة الله. [ ص: 141 ] وأصل التبتل: القطع. ومنه: مريم البتول، وفاطمة البتول، لانقطاعهما عن نساء زمانهما: دينا وفضلا ورغبة في الآخرة.

                                                                                                                              ومنه: صدقة بتلة. أي: منقطعة عن تصرف مالكها.

                                                                                                                              قال الطبري: التبتل: هو ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى الله "تعالى" بالتفرغ لعبادته. انتهى.

                                                                                                                              قال في النيل: المراد به: الانقطاع عن النكاح، وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة. لقوله تعالى: وتبتل إليه تبتيلا . أي: انقطع إليه انقطاعا.

                                                                                                                              وفسره مجاهد: بالإخلاص. وهو لازم للانقطاع. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: هذا عند الشافعية، محمول على من تاقت نفسه إلى النكاح، ووجد مؤنه. وعلى من أضر به التبتل بالعبادات الكثيرة الشاقة.

                                                                                                                              أما الإعراض عن الشهوات واللذات، من غير إضرار بنفسه ولا تفويت حق لزوجة ولا غيرها ; ففضيلة للمنع منها. بل مأمور به.

                                                                                                                              هذا كلام النووي.

                                                                                                                              ولكن قال في السيل الجرار: قد علم بنصوص الكتاب والسنة، [ ص: 142 ] وبإجماع الأمة: أن الزنا حرام. وكذلك ما يؤدي إليه، وما هو مقدمة له. فمن خشي على نفسه الوقوع في هذا، وجب عليه دفعه عن نفسه ;

                                                                                                                              فإن كان لا يندفع إلا بالنكاح، وجب عليه ذلك

                                                                                                                              وإن كان يندفع مثل الصوم، أو السفر، أو التقليل في طعامه وشرابه، أو أكل غير ما فيه دسومة من الأطعمة: لم يجب عليه النكاح، لإمكان دفع المعصية بدونه. انتهى.

                                                                                                                              واستدل بهذا الرد، وبقوله في حديث آخر: "فليتزوج"، وبقوله: "من رغب عن سنتي" وبسائر ما في أحاديث الباب من الأوامر ونحوها: من قال بوجوب النكاح.

                                                                                                                              وقد تقدم تقسيم العلماء له بأقسام. وتمامه: في شرح المنتقى.

                                                                                                                              (ولو أذن له ) أي: في الانقطاع عن النساء، وغيرهن من ملاذ الدنيا. (لاختصينا (لدفع شهوة النساء، ليمكننا التبتل.

                                                                                                                              قال النووي: هذا محمول على أنهم، كانوا يظنون جواز الاختصاء باجتهادهم. ولكن لم يكن ظنهم هذا موافقا. فإن الاختصاء في الآدمي حرام: صغيرا كان أو كبيرا.

                                                                                                                              قال البغوي: وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل. وأما المأكول فيجوز خصاؤه في صغره، ويحرم في كبره. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 143 ] قال في النيل: الخصي: هو شق الأنثيين، وانتزاع البيضتين. قال الطيبي: كان الظاهر أن يقول: "ولو أذن له لتبتلنا". لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: "لاختصينا"، لإرادة المبالغة ; أي: لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء. ولم يرد به حقيقة الاختصاء، لأنه حرام.

                                                                                                                              وقيل: بل هو على ظاهره. وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء.

                                                                                                                              وأصل حديث عثمان بن مظعون: (أنه قال: يا رسول الله! إني رجل يشق على العزوبة، فأذن لي في الاختصاء. قال: "لا. ولكن عليك بالصيام" ) الحديث.

                                                                                                                              وفي لفظ آخر: (أنه قال: يا رسول الله! أتأذن لي في الاختصاء ؟ فقال: "إن الله أبدلنا بالرهبانية: الحنيفية السمحة". ).

                                                                                                                              أخرجه الطبري. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية