الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض الآية :

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ائتوني بكتاب من قبل هذا أي : فيه برهان ما قلتم .

                                                                                                                                                                                                                                      أو أثارة من علم : قال ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم : «هو خط كانت [ ص: 129 ] تخطه العرب في الأرض » ، وروي : أن نبيا من الأنبياء كان يخط بإصبعيه السبابة والوسطى في الرمل ، ويزجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا : أو أثارة يعني : أو بقية .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : المعنى : شيء يثار ويستخرج .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : أحد يأثر علما .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الأثارة ) : مصدر ؛ كـ (السماحة ) ، ومن قرأ : {أثرة} ؛ فهو بمعنى : (أثر ) ؛ كـ (قترة ، وقتر ) ، ومن قرأ : {أثرة} ؛ جاز أن يكون معناه : [بقية من علم ، وجاز أن يكون معناه ] : شيئا مأثورا من كتب الأولين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 130 ] و (المأثور ) : ما يتحدث به مما صح سنده عمن يحدث به عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : هو أعلم بما تفيضون فيه أي : بما تقولونه ، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل ما كنت بدعا من الرسل أي : أول من أرسل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله : قيل : إن معنى الآية : أرأيتم إن كان من عند الله ، وشهد شاهد تثقون به من بني إسرائيل على مثل ما شهد به محمد صلى الله عليه وسلم ، فآمن ، وكفرتم به ؛ [أتأمنون عذاب الله ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : أرأيتم إن كان من عند الله ، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ، فآمن ، وكفرتم به ] ، واستكبرتم ، فقوله : {واستكبرتم} : معطوف على قوله : {كفرتم} ، وقوله : على مثله معناه : عليه ، وقد تقدم ذكر أشباهه ، ودل على جواب {أرأيتم} المحذوف : إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، و {أرأيتم} : لفظ موضوع للسؤال والاستفهام ؛ ولذلك لا يقتضي مفعولا .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الشاهد من بني إسرائيل ) : قيل : هو ابن سلام ، عن الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                      مسروق : المراد به : موسى ، والتوراة ، وأهل الكتاب ، لا ابن سلام ؛ لأن [ ص: 131 ] السورة مكية ، قال : وقوله : وكفرتم به : مخاطبة لقريش .

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي : (الشاهد من بني إسرائيل ) : رجل غير ابن سلام ؛ لأن ابن سلام إنما أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ، والسورة مكية .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : رضيت اليهود بحكم ابن سلام ، وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شهد لك ؛ آمنا بك ، فسئل ، فشهد ، ثم أسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه : قال مسروق : هم أهل الكتاب ، وهذا على قول من قال : إن الشاهد أحد بني إسرائيل غير موسى ، ومن قال : إنه موسى عليه السلام ؛ عنى بـ الذين كفروا : مشركي قريش .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : أسلمت أسلم ، وغفار ، وجهينة ، ومزينة ؛ فقالت بنو عامر ، وغطفان ، وأشجع ، وأسد : لو كان ما دخلوا فيه خيرا ؛ ما سبقونا إليه ؛ إذ نحن أعز منهم ، وإنما هؤلاء رعاة البهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : يعنون : عمارا ، وبلالا ، وصهيبا ، وأمثالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ما سبقونا إليه : يجوز أن يكون من قول الكفار لبعض المؤمنين ، ويجوز أن يكون على الخروج من الخطاب إلى الغيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن قبله كتاب موسى : الهاء للقرآن ، وهو ما في قوله : إن أتبع إلا ما يوحى إلي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا أي : مصدق لكتاب موسى ، ثم [ ص: 132 ] حذف ؛ لأن قبله : ومن قبله كتاب موسى ، و {عربيا} : حال ، و {لسانا} : توطئة للحال ؛ أي : تأكيد ، وقيل : إن {لسانا} مفعول ؛ والمراد به : النبي صلى الله عليه وسلم ؛ على تقدير : ذا لسان .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم ذكر قوله : ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ، وفي من نزلت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : حملته أمه كرها أي : بمشقة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي : روي : أن المراد بها أبو بكر رضي الله عنه ، أيقن بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ابن عشرين سنة ، وسافر معه إلى الشام ، وأخبره الراهب بنبوته ، وأسلم والداه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : في أصحاب الجنة أي : يفعل بهم فعله في أصحاب الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      والذي قال لوالديه أف لكما الآية : قال ابن عباس : نزلت في ابن لأبي بكر الصديق ، قال له : أتعدني أن أبعث بعد الموت ، قال قتادة : هو عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 133 ] وروي : أن عائشة رضي الله عنها أنكرت أن تكون في عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جعلها في عبد الرحمن ، كان قوله بعد ذلك : أولئك الذين حق عليهم القول يراد به : من اعتقد ما تقدم ذكره ، فأول الآية خاص ، وآخرها عام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن المراد بقوله : أولئك الذين حق عليهم القول : جدعان وعثمان ابنا عمرو ، وهما من أخدان عبد الرحمن [بن أبي بكر ، وروي : أن عبد ] الرحمن قال : ليتهما نشرا لي حتى أسألهما عن صدق ما قال محمد ؛ فنزلت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا : [أي : يقال لهم : أذهبتم طيباتكم ] [في حياتكم الدنيا ] ؛ أي : لم تعطوا منها ما أوجبه الله عز وجل عليكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إذ أنذر قومه بالأحقاف : (الأحقاف ) : جمع ( حقف ) ؛ وهو ما [ ص: 134 ] استطال من الرمل ، ولم يبلغ أن يكون جبلا .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : (الأحقاف ) : جبل يكون بالشام ، وعنه أيضا : أنها واد بين عمان ومهرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : هي جبال مشرفة بالشحر ، والشحر : قريب من عدن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا : يريد : أنهم قالوا ذلك حين رأوا ما أوعدوا به من العذاب ، وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاءهم منه يكون غيثا ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : تدمر كل شيء بأمر ربها أي : كل شيء أمرت بإهلاكه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه : [قيل : إن {إن} زائدة ، وقيل : إن (ما ) بمعنى : (الذي ) ، و {إن} بمعنى : (ما ) ؛ والتقدير : ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بل ضلوا عنهم أي : ضلت عنهم آلهتهم ؛ لأنها لم يصبها ما أصابهم ؛ إذ هي جماد .

                                                                                                                                                                                                                                      وذلك إفكهم أي : والآلهة التي ضلت عنهم هي إفكهم في قولهم : إنها تقربهم إلى الله زلفى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 135 ] وقوله : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن الآيات :

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : هم ركب من جن نصيبين ، وهم أشراف الجن وساداتهم ، أتوا حين حرست السماء من استراق السمع يستخبرون ما أوجب ذلك ، فجاءوا وادي نخلة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر ، وكانوا سبعة ، فسمعوا ، وانصرفوا إلى قومهم منذرين ، ولم يعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليهم ، وروي : أنه لم يكن معه غير ابن مسعود ، وابن عمر ، وجابر بن عبد الله ، قرأ عليهم (الرحمن ) ؛ فقالت الجن : لا بشيء من نعمائك نكذب ربنا ؛ فلك الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود : جعلت الجن تهوي ، ورأيت مثل النسور تمشي ، وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم سألته صلى الله عليه وسلم عن ذلك اللغط ؛ فقال : «إنها تدارأت في قتيل قتل بينها » ؛ فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بينها بالحق .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود : وسألوه الزاد ، فقال : «كل عظم لكم عرق ، وكل [ ص: 136 ] روث لكم خضرة » ؛ فقالوا : يا رسول الله ؛ إن الناس تقذرها علينا ؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض المفسرين : مضى الذين ولوا إلى قومهم منذرين ، ولم يعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : بل أرسلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إنا سمعنا كتابا أنـزل من بعد موسى إلى قوله : أولئك في ضلال مبين : من قول الجن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل : قال مجاهد : أولو العزم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم السلام أجمعين .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم .

                                                                                                                                                                                                                                      لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ أي : ذلك بلاغ ، [فيوقف على هذا على {نهار} ، وعلى {بلاغ} .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أبو حاتم : أن بعضهم وقف على ولا تستعجل ، ثم ابتدأ : {لهم} ؛ على أن المعنى : لهم بلاغ ] ، ويبعد على هذا التقدير الخبر من الابتداء ، ويعترض [ ص: 137 ] بينهما كلام كثير .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية