وجه كسر التاء في {آيات} الأول : العطف على ما عملت فيه {إن} ؛ التقدير : وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات .
فأما الثاني ؛ فقيل : إن النصب فيه وجهه تكرير {آيات} لما طال الكلام .
وقيل : إنه على الحمل على ما عملت فيه {إن} ؛ على تقدير حذف (في ) ؛ التقدير : وفي اختلاف الليل والنهار آيات ؛ فحذفت (في ) ؛ لتقدم ذكرها ، فإن لم يحمل على ما قدمناه ؛ كان عطفا على عاملين مختلفين : {إن} ، والجار ، ولا يجيزه ، وعلى تقدير الحذف أنشد سيبويه : [من المتقارب ] سيبويه
أكل امرئ تحسبين امرءا ونار توقد بالليل نارا
فهو على تقدير حذف (كل ) المضاف إلى (نار ) المجرورة ؛ لتقدم ذكرها ، [ ص: 119 ] ولولا تقدير الحذف ؛ لكان عطفا على عاملين ؛ لأنه كان يعطف على (كل ) المنصوبة بـ (حسب ) ، و (امرئ ) المجرور بـ (كل ) ، والعطف على عاملين قبيح ؛ من أجل أن حرف العطف ينوب مناب العامل ، فلم يقو أن ينوب مناب عاملين مختلفين ؛ إذ لو ناب مناب رافع وناصب ؛ لكان رافعا ناصبا في حال ، وللزم أن ينوب مناب رافع وناصب وجار ، فتعمل الوجوه الثلاثة في حال ، وأجاز وجماعة من الكوفيين العطف على عاملين . الأخفشومن قرأ بالرفع ؛ جاز أن يكون حملا على موضع {إن} وما عملت فيه ، وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين ؛ لأنه عطف {واختلاف} على [ وفي خلقكم ، وعطف {آيات} على موضع ] (آيات ) الأولى ، لكنه يقدر على تكرير {في} ، على ما تقدم .
ويجوز أن يرتفع على القطع مما قبله ، فيرتفع بالابتداء ، وما قبله خبره ، ويكون عطف جملة على جملة .
[ ص: 120 ] وحكى رفع {اختلاف} و {آيات} جميعا ، وجعل الاختلاف هو الآيات . الفراء
ومن قرأ : {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} ؛ فهو عند أبي حاتم خبر مبتدأ محذوف ؛ التقدير : ذلك منه .
أبو الفتح : يجوز أن يرتفع بفعله هذا الظاهر ؛ أي : سخر لكم ذلك منه ؛ كما تقول : (أحياني فضلك ) .
ومن قرأ : {منة} ؛ فهو منصوب على المصدر ، ودل عليه : سخر لكم ؛ كأنه قال : من عليكم بذلك منة ، وقراءة الجماعة ظاهرة .
ومن قرأ : {ليجزى قوما} ؛ فهو على تقدير : ليجزى الجزاء قوما .
وقوله : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم : يجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للكفار خاصة ، فلا يجوز على هذا في {سواء} إلا الرفع ، ولا ينصب ؛ لأنه لا [ ص: 121 ] يدخل في الحسبان ؛ لأنه ينتصب بالفعل الذي في صلة {أن} ، والحسبان واقع على {أن} ، وما في صلة {أن} داخل في الحسبان ، وليس ذلك المراد إنما المعنى : الإخبار باستواء محيا الكفار ومماتهم في البعد من رحمة الله حتما ، والرفع على هذا الوجه يكون على الاستئناف ، ويكون قوله : كالذين آمنوا في موضع المفعول الثاني ، ولا تكون الجملة التي هي سواء محياهم ومماتهم على هذا حالا من قوله : كالذين آمنوا ؛ لأن الضمير للكفار دون المؤمنين ، فهو غير ملتبس بهم .
ويجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للكفار والمؤمنين جميعا ، فيجوز في {سواء} الرفع والنصب ؛ فوجه الرفع : أن {محياهم} ابتداء ، و {سواء} خبره ؛ والتقدير : محياهم ومماتهم سواء ، ويجوز في هذه الجملة أن تكون حالا من الضمير [الذي في {نجعلهم} ، والعامل (نجعل ) ، ويكون كالذين آمنوا مفعولا ثانيا .
[ ص: 122 ] ويجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير ] المرفوع الذي في كالذين آمنوا ؛ لأنه بمنزلة الظرف ، والعامل في الحال معنى الفعل الذي في الظرف .
ونصب {سواء} على أحد وجهين :
الحال من الهاء والميم في {نجعلهم} ، أو من الضمير المرفوع في الظرف الذي هو المفعول الثاني ، وإذا كان حالا من الضمير الذي في الظرف ؛ فالعامل فيه معنى الفعل .
والوجه الثاني : أن يكون {سواء} مفعولا ثانيا [لـ (نجعل ) .
ويرتفع محياهم ومماتهم بـ {سواء} في الوجهين جميعا ؛ وهما : كون {سواء} مفعولا ] أو حالا .
ومن نصب {سواء} ، و {محياهم} ، و {ومماتهم} ؛ فنصب {سواء} على الحال ، و {محياهم} ، و {ومماتهم} [على تقدير : في محياهم وفي مماتهم ؛ كأنه ظرف ، ويجوز أن يكون {محياهم ومماتهم} ] بدلا من الهاء والميم في {نجعلهم} ؛ [ ص: 123 ] المعنى : أن نجعل محياهم ومماتهم سواء ؛ كمحيا الذين آمنوا ومماتهم .
وقوله : وأضله الله على علم : يجوز أن يكون على علم حالا من الفاعل ؛ المعنى : أضله على علم منه به ؛ أي : أضله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول ، فيكون المعنى : أضله في حال علم الكافر بأنه ضال .
ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون : {يوم} الأول : منصوب بـ {يخسر} ، [ و {يومئذ} : تكرير ؛ للتأكيد ، أو بدل منه ، وقيل : إن التقدير : وله الملك يوم تقوم الساعة ، والعامل في {يومئذ} قوله : {يخسر} ] ، ومفعول {يخسر} محذوف ؛ والمعنى : يخسرون منازلهم في الجنة .
ومن قرأ : كل أمة تدعى ؛ بالنصب ؛ فعلى أن {كل} الثانية بدل من الأولى ؛ لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى ؛ إذ ليس في جثوها شيء من حال شرح الجثو ؛ كما في الثانية من ذكر السبب الداعي إليه ؛ وهو استدعاؤها إلى كتابها والرفع على الابتداء .
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق : ينطق عليكم : في موضع الحال من (الكتاب ) ، [ ص: 124 ] أو من (ذا ) ، أو خبر ثان لـ (ذا ) ، أو يكون {كتابنا} بدلا من {هذا} ، و {ينطق} : الخبر .
ومن رفع والساعة لا ريب فيها ؛ فعلى الابتداء ، أو العطف على موضع إن وعد الله حق ، ولا يحسن حمله على الضمير الذي في المصدر ؛ لأنه غير مؤكد ، والضمير المرفوع إنما يعطف عليه بغير تأكيد في الشعر .
ومن نصب {الساعة} ؛ عطفها على {وعد} .
وقوله : إن نظن إلا ظنا : تقديره عند المبرد : إن نحن إلى نظن ظنا .
[وقيل : التقدير : إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا ] ، واحتيج إلى هذا التقدير ؛ لأن فائدة المصدر كفائدة الفعل ، فإذا لم يقدر حذف ؛ صار المعنى : إن نظن إلا نظن ، وهو كلام لا فائدة فيه .
* * *
هذه . السورة مكية ، وعددها في الكوفي : سبع وثلاثون آية ، وفي بقية العدد : ست وثلاثون ، زاد الكوفي : {حم}