الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنا جعلناه قرآنا عربيا أي : سميناه ، وصيرناه ، وقد تقدم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وإنه في أم الكتاب يعني : اللوح المحفوظ .

                                                                                                                                                                                                                                      لعلي حكيم أي : رفيع محكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أفنضرب عنكم الذكر صفحا يعني : القرآن ، عن الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى : أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون ؟ فـ {الذكر} على هذا يراد به : ذكر العذاب ، وكذلك قال أبو صالح : {الذكر} : العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : المعنى : أفنهلككم ولا نأمركم ، ولا ننهاكم ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : يعني : التذكير ؛ فكأنه قال : أفنترك تذكيركم ؛ لأن كنتم قوما مسرفين ؟ في قراءة من فتح {إن} ، ومن كسرها ؛ جعلها للشرط ، وما قبلها جوابا لها ؛ لأنها لم تعمل في اللفظ ، ويجوز أن يكون الجواب محذوفا دل عليه ما تقدم ؛ كما تقول : (أنت ظالم إن فعلت كذا ) ، ومعنى الكسر عند الزجاج الحال ؛ لأن في الكلام [ ص: 58 ] معنى التقرير والتوبيخ .

                                                                                                                                                                                                                                      سيبويه : سألت الخليل عن قول الفرزدق : [من الطويل ]


                                                                                                                                                                                                                                      أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا .....................

                                                                                                                                                                                                                                      فقال : هي مكسورة ؛ لأنه قبيح أن يفصل بين (أن ) والفعل ؛ يريد : (أن ) المفتوحة ، وذلك في المكسورة جائز على إضمار فعل آخر ؛ نحو قوله تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره [التوبة : 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله : {صفحا} : إعراضا ، وقيل : التقدير : أفنضرب عنكم الذكر صافحين ؟ كما يقال : (جاء فلان مشيا ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {مسرفين} : مشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فأهلكنا أشد منهم بطشا أي : قوما أشد منهم بطشا .

                                                                                                                                                                                                                                      ومضى مثل الأولين أي : عقوبتهم ، عن قتادة ، وقيل : معناه : صفة الأولين ؛ بأنهم أهلكوا على كفرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 59 ] وقوله : لتستووا على ظهوره أي : على ظهور هذا الجنس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : جاء التذكير على لفظ {ما} ، وجمعت (الظهور ) على معناها ، فقدم الحمل على المعنى على الحمل على اللفظ ، والأكثر أن يقدم الحمل على اللفظ على الحمل على المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه : قيل : هو (الحمد لله ) ، وقال مجاهد : هو سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {مقرنين} في قول ابن عباس : مطيقين .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة : {مقرنين} : ضابطين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أهل اللغة : يقال : (أقرن له ) ؛ إذا أطاقه ؛ كأنه صار له قرنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وإنا إلى ربنا لمنقلبون أي : مبعوثون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وجعلوا له من عباده جزءا أي : عدلا ، عن قتادة ؛ يعني : ما عبد من دون الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج والمبرد : (الجزء ) ههنا : البنات .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الإنسان لكفور مبين يعني : الكافر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أم اتخذ مما يخلق بنات : لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه : التوبيخ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] وقوله : أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين : قال ابن عباس وغيره : يعني : النساء ، زيهن غير زي الرجال .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : يعني : أصنامهم ، يصوغونها من ذهب وفضة ؛ وهو إنشاؤها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أي : وصفوهم بذلك ، وسموهم ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في قوله تعالى : وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم كالقول في قوله : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام : 148 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ما لهم بذلك من علم مردود إلى قوله : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ؛ أي : ما لهم بقولهم : (الملائكة بنات الله ) من علم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن الرد عليهم محمول على المعنى ؛ ومعناه : ما لهم من قولهم : لو شاء الرحمن ما عبدناهم من عذر .

                                                                                                                                                                                                                                      أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون : هذا معادل لقوله : أشهدوا خلقهم ؛ والمعنى : أأحضروا خلقهم ، أم آتيناهم كتابا من قبل القرآن بما ادعوه ؟

                                                                                                                                                                                                                                      بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة أي : على طريقة ومذهب ، وإنا على آثارهم مهتدون أي : وإنا مهتدون على آثارهم ، ويجوز أن يكونا خبرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم أي : أولو جئتكم بذلك ؛ [ ص: 61 ] تقيمون على ما كنتم عليه من كفركم ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولفظه لفظ جمع ؛ لأن تكذيبه تكذيب لمن سواه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون : (البراء ) : يستعمل للواحد فما فوقه ، ومعناه في التثنية والجمع : ذوا براء ، وذوو براء .

                                                                                                                                                                                                                                      إلا الذي فطرني فإنه سيهدين : استثناء متصل ؛ لأنهم عبدوا الله مع آلهتهم ، ويجوز أن يكون منقطعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وجعلها كلمة باقية في عقبه : الضمير في {جعلها} عائد على قوله : إلا الذي فطرني ، وضمير الفاعل في {جعلها} لله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      و (العقب ) : من يأتي بعده ، السدي : هم آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ والمعنى : فإنه سيهديني ؛ لعلهم يرجعون ، وجعلها كلمة باقية في عقبه ؛ أي : قال لهم ذلك ؛ لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : (الكلمة الباقية ) : لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : لا يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وقالوا لولا نـزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أي : على رجل من [ ص: 62 ] رجلي القريتين عظيم .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : يعنون : الوليد بن المغيرة من مكة ، وحبيب بن عمرو الثقفي من الطائف .

                                                                                                                                                                                                                                      [قتادة : الرجلان : أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي من الطائف ] ، [والوليد بن المغيرة من مكة ] .

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : الوليد بن المغيرة ، [وكنانة بن عبد بن عمير من الطائف .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي : أن الوليد بن المغيرة ] كان يقول : لو كان ما يقول محمد حقا ؛ لنزل علي ، أو على أبي مسعود ، فقال الله عز وجل : أهم يقسمون رحمت ربك ؟ يعني : أنه يصطفي من يشاء ، ويفعل ما يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية