الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      المراد بقوله: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا : جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل من خوطب بالكتاب؛ فقد أورثه، وقال قتادة: {الكتاب}: شهادة أن لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف أهل التأويل في الثلاثة الأصناف المذكورة؛ فقال بعضهم: كلها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والضمير في {يدخلونها} يعود على الأصناف الثلاثة، وروي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وغيرهما، ورواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك: أنه لما فرغ من ذكر مراتب أهل الجنة ومنازلهم؛ ذكر أهل النار، فقال: والذين كفروا لهم نار جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 372 ] وذهب بعضهم إلى أن (الظالم لنفسه): الكافر، روي ذلك عن ابن عباس باختلاف عنه، ومجاهد، وغيرهما، قال مجاهد: (الظالم لنفسه): أصحاب المشأمة، [ و (المقتصد): أصحاب الميمنة]، و (السابق بالخيرات): السابق من الناس كلهم؛ كما قال: والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم [الواقعة: 10-12].

                                                                                                                                                                                                                                      وعن قتادة: أن (الظالم لنفسه): الكافر والمنافق.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الحسن: أن (الظالم لنفسه): المنافق، فيكون الضمير -على هذه الأقوال- في قوله {يدخلونها} لـ (المقتصد) و (السابق).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن : قال ابن عباس: يعني: حزن دخول النار.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هو ما كانوا فيه من تعب الدنيا ونصبها.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: هو هم المعيشة، والخوف من العذاب، وتوقع الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الحزن}: أعمال من الخير عملوها، وكانوا يتخوفون ألا تقبل منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: الذي أحلنا دار المقامة من فضله : {المقامة} و (المقام) سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا يمسنا فيها نصب أي: تعب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يمسنا فيها لغوب أي: إعياء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 373 ] وقوله: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا : [أي: لا يقضي عليهم] الموت؛ فيموتوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهم يصطرخون فيها : {يصطرخون}: (يفتعلون) من (الصراخ) والطاء مبدلة من التاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر : قال علي، وأبو هريرة: يعني ستين سنة، وروي ذلك عن ابن عباس، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أيضا: أربعين سنة، وقاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجاءكم النذير : قال ابن عباس: يعني: الشيب، وقال ابن زيد: هو محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض : [أي: أخبروني عن شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله؛ أخلقوا خلقا في الأرض] أم لهم شرك في السماوات ؟

                                                                                                                                                                                                                                      أم آتيناهم كتابا أي: بالشركة، فهم على بينت منه ؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 374 ] وقوله: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا أي: كراهة أن تزولا، أو لئلا تزولا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده : قيل: إن {ولئن} بمعنى (لو) ؛ والمعنى: لو زالتا، وقيل: المراد: زوالهما يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ختم الآية بقوله: إنه كان حليما غفورا ؛ لأن المعنى -فيما ذكره بعض أهل التأويل-: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا من كفر الكافرين، وقولهم اتخذ الرحمن ولدا [مريم: 88]؛ كما قال: تكاد السماوات يتفطرن منه الآية. [مريم: 90].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم هذا إخبار عن المشركين الذين ليسوا من أهل الكتاب، وقولهم: ليكونن أهدى من إحدى الأمم : يراد به: اليهود والنصارى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: استكبارا في الأرض ومكر السيئ أي: مكر العمل السيئ؛ وهو الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله أي: جزاء المكر وعاقبته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فهل ينظرون إلا سنت الأولين يعني: من كفر قبلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا جاء أجلهم أي: فإذا جاء أجل عقابهم؛ فإن الله كان بمن [ ص: 375 ] يستحق العذاب منهم بصيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية