الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون أي: أحسب الناس أن يقبل منهم إيمانهم بألسنتهم، ولا يختبروا حتى يعرف صدقهم

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 179 ] من كذبهم، فيجازوا على ما يظهر منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدير أن يقولوا : لأن يقولوا، أو: على أن يقولوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فليعلمن الله الذين صدقوا أي: صدقوا في قولهم: إنا مؤمنون، وليعلمن الكاذبين في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فليعلمن الله الذين صدقوا في الحرب من الذين انهزموا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا أي: يفوتونا، ويعجزونا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من كان يرجو لقاء الله أي: يخاف يوم لقائه، وقيل: المعنى: يرجو ثواب لقاء الله

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه أي: ثواب جهاده له، وقيل: المعنى: من جاهد عدوه لنفسه، لا يريد به وجه الله; فليس لله حاجة في جهاده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما :

                                                                                                                                                                                                                                      روي: أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص، قالت أمه حين هاجر: لا يظلني بيت حتى ترجع; فأمره الله عز وجل بأن يحسن إليها، ولا يطيعها في الشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 180 ] وقيل: نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وقد ذكرت خبره في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله :

                                                                                                                                                                                                                                      قال عكرمة: كان قوم قد أسلموا، فأكرههم المشركون على الخروج معهم إلى بدر، فقتل بعضهم; فأنزل الله: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [النساء: 97]، الآية، فكتب بها المسلمون من المدينة إلى المسلمين بمكة، فافتتن بعضهم; فنزلت هذه الآية فيهم، فكتب بها المسلمون من المدينة إلى مكة، فقال رجل من بني ضمرة وكان مريضا: أخرجوني، فأخرجوه وهو يريد الهجرة، فمات في الطريق; فأنزل الله تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله [النساء: 100].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين : قال قتادة: نزل ذلك في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم :

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولنحمل خطاياكم أمر، وجاز وقوع إنهم لكاذبون بعده; على الحمل على المعنى; لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا; حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 181 ] يرجع في المعنى إلى الخبر; أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد: قال مشركو قريش: نحن وأنتم لا نبعث، فإن كان عليكم وزر; أي: نحن نحمل عنكم ما يلزمكم; فـ (الحمل ) ههنا بمعنى: الحمالة، لا الحمل على الظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن قائل ذلك الوليد بن المغيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم يعني: ما يجعل عليهم من سيئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: من دعا إلى ضلالة; كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها، ولا ينقص منها شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم ذكر خبر نوح عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 182 ] وقوله: فأخذهم الطوفان يعني: الغرق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين : الهاء والألف في {وجعلناها} للسفينة، أو للعقوبة، أو للنجاة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وتخلقون إفكا : قال الحسن: معنى {تخلقون} : تنحتون; والمعنى: إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: (الإفك ) : الكذب; فالمعنى: تعبدون الأوثان، وتخلقون الكذب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده يعني: ابتداء الخلق والبعث.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أولم يروا كيف يبدي الله الثمار، فتجنى، ثم تفنى، ثم يعيدها أبدا؟ وكيف يبدي خلق الإنسان، فيحييه، ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا، وخلق من الولد ولدا، وكذلك سائر الحيوان؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء : قال ابن زيد: المعنى: أن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض، ولا أهل السماء في السماء إن عصوه; والتقدير على هذا: وما أنتم بمعجزي الله في الأرض، ولا من في السماء بمعجزي الله في السماء، فحذفت (من ) ; كما قال: وما منا إلا له مقام معلوم [الصافات: 164].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 183 ] المبرد: المعنى: ولا من في السماء، و (من ) : نكرة، و في السماء : صفة لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف، ورد ذلك علي بن سليمان، وقال: لا يجوز، وقال: إن (من ) إذا كانت نكرة; فلا بد من وصفها بصفتها; كالصلة، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة، قال: والمعنى: أن الناس خوطبوا بما يعقلون، والمعنى: ولو كنتم في السماء ما أعجزتم; كما قال: ولو كنتم في بروج مشيدة [النساء: 78].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي هو إبراهيم عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هاجر من كوثى - وهي قرية من سواد الكوفة - إلى الشام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الذي قال: إني مهاجر إلى ربي لوط.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: هاجرا جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وآتيناه أجره في الدنيا يعني: اجتماع أهل الملل عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية