التفسير:
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر : قال قوله: (جانب الغربي ) : هو قتادة: جبل الطور، والمعنى: وما كنت يا محمد بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى أمرك، وذكرناك بخير ذكر.
وقوله: وما كنت ثاويا في أهل مدين أي: مقيما فيهم.
وما كنت بجانب الطور إذ نادينا : روى يرفعه، قال: "نودي: يا أمة عمرو بن دينار محمد; أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني"،
[ ص: 156 ] فذلك قوله: وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك أي: لم تشاهد هذه الأخبار، ولكن أوحيناها إليك، رحمة بمن أرسلت إليهم، لتنذر بها.
وقوله: ولولا أن تصيبهم مصيبة : الجواب محذوف; أي: لولا ذلك، لم نرسل الرسل.
وقوله: قالوا سحران تظاهرا : قال ابن عباس يعنون: والحسن: موسى ومحمدا عليهما السلام.
مجاهد: موسى وهارون.
ومن قرأ: {سحران} ; فالمراد: التوراة والقرآن، عن ابن عباس.
الضحاك: الإنجيل والقرآن.
التوراة والإنجيل. عكرمة:
وقوله: قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما : قال من كتاب ابن زيد:
[ ص: 157 ] موسى ومحمد، وهذا تقوية لقراءة من قرأ {سحران تظاهرا} ، ومن قرأ {ساحران} ; فالتقدير: بكتاب هو أهدى من كتابيهما.
وقوله: ولقد وصلنا لهم القول أي: أتبعنا بعضه بعضا.
معنى {وصلنا} : أتممنا. أبو عبيدة:
بينا. ابن عيينة،
وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة، وقيل: وصلنا لهم خبر من مضى بخبر من يأتي. ابن زيد:
والضمير في {لهم} لقريش، عن وقيل: هو مجاهد، لليهود، وقيل: لهم جميعا.
وقوله: الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون يعني: وأصحابه، عن النجاشي وقيل: الزهري، سلمان الفارسي، وابن سلام.
وقوله: إنا كنا من قبله مسلمين يعني: وجودهم وتصديقهم به ثم آمنوا به بعد مبعثه، فقال الله تعالى: صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ، والهاء في {قبله} : تعود على القرآن، وقيل: على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدرءون بالحسنة السيئة أي: يدفعون بحسناتهم سيئاتهم التي عملوها.
وقوله: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه : قال هؤلاء قوم من أهل مجاهد:
[ ص: 158 ] الكتاب، أسلموا، فكان المشركون يؤذونهم.
وقيل: {اللغو} ههنا: الطعن في كتاب الله عز وجل.
و {اللغو} في اللغة: ما لا فائدة فيه.
وقوله: سلام عليكم أي: تاركناكم، وليس من التحية.
وقوله: إنك لا تهدي من أحببت : نزلت في أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر ذلك.
وقوله: وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا : هذا قول مشركي قريش، قال قائل ذلك: ابن عباس: الحارث بن نوفل.
فقال الله تعالى: أولم نمكن لهم حرما آمنا يعني: قبل الإسلام.
وقوله: يجبى إليه ثمرات كل شيء : قال ثمرات الأرضين. ابن عباس:
وقوله: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها : [أي: بطرت في معيشتها، عن الزجاج.
أبطرتها معيشتها]. الفراء:
وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا أي: في أعظمها، وقيل: المراد بـ(أم القرى ) ههنا: مكة، وبـ(الرسول ) : محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا : قيل:
[ ص: 159 ] نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل لعنه الله، وقيل: في حمزة رضي الله عنهما، وعلي وأبي جهل، وقيل: المراد منها: المؤمن والكافر.
وقوله: ويوم يناديهم يعني: الإنس، وقوله: قال الذين حق عليهم القول يعني: الشياطين، عن قتادة، والمعنى: وجبت عليهم الحجة، فعذبوا.
وقوله: ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم أي: دعوناهم إلى الغي.
أغويناهم كما غوينا أي: أضللناهم كما ضللنا.
تبرأنا إليك أي: تبرأ بعضنا من بعض.
وقوله: وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم أي: لم ينتفعوا بهم.
وقوله: ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون : [أي لو أنهم كانوا يهتدون] ما دعوهم.
وقيل: المعنى: ودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا.
وقيل: المعنى: لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا، لأنجاهم الهدى.
وقوله: فعميت عليهم الأنباء يومئذ أي: الأخبار، الحجج. مجاهد:
وقوله: فهم لا يتساءلون أي: لا يتساءلون بالأنساب.
[ ص: 160 ] وقوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار : هذا هو التمام، وهو أشبه بمذهب أهل السنة، و {ما} من قوله: ما كان لهم الخيرة : نفي عام لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها سوى اكتسابه بقدر الله عز وجل.
وأجاز وغيره أن تكون {ما} اسما منصوبا بـ {يختار} . الزجاج
وأنكر أن تكون {ما} نافية; لئلا يكون المعنى: أنهم لم تكن لهم الخيرة فيما مضى، وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدم كلام بنفي، ولا يلزم ذلك، لأن {ما} تنفي الحال والاستقبال كـ (ليس ) ; ولذلك عملت عملها، ولأن الآي كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على ما يسأل عنه، وعلى ما هم مصرون عليه من الأعمال وإن لم يكن ذلك في النص. الطبري
[ ص: 161 ] وتقدير الآية عند ويختار لولايته الخيرة من خلقه، لأن المشركين كانوا يختارون خيار أموالهم، فيجعلونه لآلهتهم، فقال الله تعالى: الطبري: وربك يخلق ما يشاء ويختار للهداية من خلقه من سبقت له السعادة في علمه; كما اختار المشركون خيار أموالهم لآلهتهم; فـ {ما} على هذا لمن يعقل، وهي بمعنى (الذي ) و {الخيرة} : رفع بالابتداء، و {لهم} : الخبر، والجملة خبر {كان} ، وشبهه بقولك: (كان زيد أبوه منطلق ) وفيه ضعف، إذ ليس في الكلام عائد يعود على اسم {كان} إلا أن يقدر حذف (فيه ) ، فيجوز على بعد، وقد روي معنى ما قاله عن الطبري ابن عباس.
والاختيار في العربية إذا كانت {ما} مفعولة: أن يكون ضميرها في {كان} ، وينصب {الخيرة} .
وقوله: قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا أي: دائما، عن وغيره. مجاهد
وقوله: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي: فيهما، وقيل: الضمير لـ (الزمان ) ; وهو الليل والنهار.
[ ص: 162 ] وقوله: ونزعنا من كل أمة شهيدا أي نبيا، عن وقيل: هم عدول الآخرة، يشهدون على العباد بأعمالهم في الدنيا. مجاهد،
ومعنى هاتوا برهانكم : هاتوا حجتكم.
وقوله: فعلموا أن الحق لله أي: علموا صدق ما جاءت به الأنبياء.
وقوله: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم : قال النخعي، وغيرهما: كان ابن عم وقتادة، موسى، وقال ابن إسحاق: كان عم موسى لأب وأم.
قال كان بغيه على شهر بن حوشب: موسى وقومه أن زاد في طول ثيابه شبرا.
وقيل: كان يستخف بهم، لكثرة ماله.
وقيل: كان بغيه أنه أعطى لبغية جعلا; على أن تقول: إن موسى أحبلها، فألقى الله على لسانها بحضرة ملأ من الناس أن أكذبت قارون، وبرأت موسى، فجعل الله تعالى أمر قارون إلى موسى، وأمر الأرض أن تطيعه، فجاءه وجعل يقول للأرض: يا أرض خذيه، يا أرض خذيه، وهي تأخذه شيئا فشيئا، وهو يستغيث بموسى إلى أن ساخ في الأرض هو وداره، وجلساؤه
[ ص: 163 ] الذين كانوا على مذهبه.
ويروى: أن الله تعالى أوحى إلى موسى: يا موسى; استغاث بك عبادي، فلم ترحمهم، أما إنهم لو دعوني لوجدوني قريبا مجيبا.
بلغنا أنهم يخسف بهم كل يوم قامة، فلا يبلغون إلى أسفل الأرض إلى يوم القيامة. ابن جريج:
وقوله: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة : قال (العصبة ) : ثلاث رجال، وعنه أيضا من الثلاثة إلى العشرة. ابن عباس:
أربعون رجلا. ابن عيينة:
من عشرة إلى خمسة عشر. مجاهد:
وأصلها في اللغة: الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض.
قال كانت مفاتيح خزائنه من جلود الإبل. مجاهد:
كان يحمل مفاتيح خزائنه أربعون رجلا. الضحاك:
أبو صالح: كان يحملها أربعون بغلا.
وعن أيضا: أن {مفاتحه} أوعيته. الضحاك
قوله: أبو عبيدة: لتنوء بالعصبة مقلوب، والمعنى: لتنوء بها العصبة.
[ ص: 164 ] أبو زيد: (نؤت بالحمل ) ; إذا نهضت به.
وقيل: إنما قال ذلك; لأن فيه معنى: (تميل ) .
وقوله: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين : قال هو فرح البطر. مجاهد:
المعنى: لا تفرح بالمال; فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه. الزجاج:
و {الفرحين} و {الفارحين} سواء: وفرق بينهما فقال في معنى {الفرحين} الذين هم في حال الفرح، و {الفارحين} الذين يفرحون في المستقبل. الفراء
وقوله: ولا تنس نصيبك من الدنيا : قال أي: اعمل فيها بطاعة الله عز وجل، وقيل: المعنى: لا تنس شكر نصيبك. ابن عباس:
وعن هو طلب الحلال، وعنه أيضا: أمسك القوت وقدم ما فضل. الحسن:
وقيل: كل من لذات الدنيا الحلال; فإنها غير محرمة عليك.
رحمه الله: هو الأكل والشرب من غير سرف. مالك