إسلام ويب - التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل - تفسير سورة النمل

[ ص: 85 ] وقوله: علمنا منطق الطير : كان يفهم منطق الطير [كما يفهم كلام البشر].

وأوتينا من كل شيء أي: من كل ما بنا إليه حاجة.

وقوله: فهم يوزعون أي: يرد أولهم على آخرهم.

ابن عباس: لكل صنف منهم وزعة ترد أولاها على أخراها، يقال: (وزعته عن كذا ) ; إذا كفه عنه.

وقوله: حتى إذا أتوا على واد النمل الآية: قيل: كان واديا بالشام نمله كالذباب.

وقوله: لا يحطمنكم سليمان وجنوده أي: لا يكسرنكم بوطئهم عليكم وهم لا يشعرون ; أي: لا يعلمون بكم، وأفهم الله النملة هذا; لتكون معجزة لسليمان عليه السلام.

قال وهب بن منبه: أمر الله تعالى الريح ألا يتكلم أحد شيئا إلا حملته، وطرحته في سمع سليمان، بسبب أن الشياطين أرادت كيده.

[ ص: 86 ] وقوله: فتبسم ضاحكا من قولها : روي: أن ضحك الأنبياء عليهم السلام تبسم.

وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي أي: ألهمني ذلك، وأصله من (وزع ) ; فكأنه قال: كفني عما يسخطك.

وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين أي: مع عبادك، عن ابن زيد، وقيل: المعنى: في جملة عبادك.

وقوله: وتفقد الطير الآية: قال ابن عباس وغيره: سأل عن الهدهد; ليدله على الماء; لأنه كان يعرف عمقه ومسافته، دون سائر الطير.

وقيل: تفقده; لأن الطير كانت تظله فأدركته الشمس من موضعه.

وقوله: ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين أي: أأخطأه بصري وهو حاضر أم صار من الغائبين؟ فـ {كان} بمعنى: صار.

وقوله: لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه : قيل: كان عذاب الهدهد نتف ريشه وإلقاءه في الشمس.

أو ليأتيني بسلطان مبين أي: بحجة بينة.

فمكث غير بعيد أي: غير وقت بعيد; والضمير في {فمكث} : لسليمان.

فقال أحطت بما لم تحط به : في الكلام حذف; والمعنى: فجاء الهدهد، فقال أحطت بما لم تحط به ، بعد أن سأله سليمان عن سبب تخلفه، ومعنى

[ ص: 87 ] فقال أحطت بما لم تحط به : عملت ما لم تعلمه.

وقوله: وجئتك من سبإ بنبإ يقين : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن سبأ رجل ولد عشرة من الولد فتيامن ستة، وتشاءم أربعة، فالذين تيامنوا: كندة والأشعرون، والأزد، ومذحج، وحمير، وأنمار، والذين تشاءموا: لخم، وجذام، وعاملة، وغسان، فقال رجل: ما أنمار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الذين منهم خثعم وبجيلة".

وقيل: إن سبأ مدينة قرب اليمن، فيجوز أن تكون سميت باسم الرجل الذي تقدم ذكره.

وقوله: إني وجدت امرأة تملكهم : هي بلقيس بنت شراحيل، يروى: أن أحد أبويها كان من الجن، وكان مؤخر قدميها كحافر الحمار.

وعن ابن عباس: أنها بلقيس بنت اليسرح الحميرية.

وقوله: ولها عرش عظيم : روي: أنه كان سريرا من ذهب، وقوائمه من جوهر ولؤلؤ، طوله ثمانون ذراعا، وعرضه أربعون، وارتفاعه في السماء ثلاثون،

[ ص: 88 ] وهو مكلل بالدر، والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر.

وقوله: {عظيم} : نعت للعرش، وعليه يتم الوقف.

وروي عن نافع: أن الوقف على {عرش} فـ {عظيم} على هذا متعلق بما بعده، وكان ينبغي على هذا أن يكون: عظيم أن وجدتها; أي: عظيم وجودي إياها كافرة.

وقوله: ألا يسجدوا لله قيل: تقديره: لئلا يسجدوا لله، وقيل: التقدير: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا.

وقوله: يخرج الخبء : {الخبء} : ما غاب، ومعناه: المخبوء، فوقع المصدر موقع الصفة.

و (خبء السماوات ) قيل: هو المطر، و (خبء الأرض ) : النبات.

وقوله: قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين : قيل: معنى أم كنت : أم

[ ص: 89 ] أنت; لأنه إنما علم صدقه أو كذبه في الحال، لا فيما مضى من الزمان.

وقوله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون : قيل: فيه تقديم وتأخير، والمعنى: اذهب بكتابي هذا، فألقه إليهم، فانظر ماذا يرجعون؟ ثم تول عنهم، وهذا اختيار الزجاج.

وهب بن منبه: المعنى: فألقه إليهم، ثم تول عنهم قريبا منهم، فانظر ماذا يرجعون؟

وقيل: إنما أدبه بأدب الملوك، وأمره ألا يقف بعد إلقائه الكتاب، لكن يتولى، ثم يرجع إليهم، فينظر ماذا يرجعون؟

وفي الكلام حذف; والمعنى: فذهب إليهم، فألقى الكتاب، فلما رأته دعت بقومها، وقالت: إني ألقي إلي كتاب كريم ، ووصفته بالكرم، لكرم مرسله، وقيل: لأنه كان مختوما، وقيل: لما رأت فيه من دلائل الخير.

قال ابن عباس: كتب سليمان إليها: من سليمان بن داود إلى بلقيس بنت اليسرح، ألا تعلوا علي، وائتوني مسلمين، أي: لا تتعظموا على طاعتي.

ويروى: أن الهدهد دخل من كوة البيت، فألقى الكتاب لجنبها وهي نائمة، فدعت بالحرس، وسألتهم عن الخبر، فأعلموها أنهم لم يروا أحدا دخل القصر.

[ ص: 90 ] وفي هذه الآية دليل على أن العنوان يكتب قبل (بسم الله الرحمن الرحيم ) .

قال بعض المفسرين: الذي أخبر الله به عن كتاب سليمان إنما هو إخبار عن معنى ما كتب به، لأن لغتهم لم تكن عربية.

و {أن} في قوله: ألا تعلوا علي على تقدير: بأن لا تعلوا: أي: كتب إليها بترك العلو، وقيل: هي مفسرة.

وقوله: قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد : روي: أن أحدهم كان يركض الفرس، حتى إذا امتلأ في جريه، ضم فخذيه عليه فحبسه.

وقوله: قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها أي: إذا دخلوها عنوة.

وقوله: وكذلك يفعلون : قيل: هو من كلامها، وقيل: هو من قول الله تعالى مستأنفا، وقيل: هو من قول سليمان.

وقوله: وإني مرسلة إليهم بهدية : روي عن ابن عباس: أنها بعثت اثنتي عشرة وصيفة مذكرين، قد ألبستهن زي الغلمان، واثني عشر غلاما مؤنثين، قد ألبستهم زي النساء، وعلى أيدي الوصائف أطباق مسك وعنبر، وباثنتي عشرة بختية تحمل لبن الذهب، وبخرزتين; إحداهما: غير مثقوبة، والأخرى: مثقوبة ثقبا معوجا، وبقدح لا شيء فيه، وسألته تمييز الوصائف من الغلمان وثقب الخرزة،

[ ص: 91 ] وإدخال خيط في المثقوبة، وأن يملأ القدح من ماء ليس من أرض ولا سماء، فأمر الغلمان والوصائف بالوضوء، فعرفهم بأن بدأ الغلمان بالأيدي، والوصائف بالمرافق، وملأ القدح من عرق الخيل، وأمر دودة الثمرة، فدخلت بالخيط في الثقب المعوج في الخرزة، حتى خرجت به من الجانب الثاني، وأمر دودة الخشب، فثقبت الأخرى.

وروي: أنه أمر الجن، فموهت له الآجر بالذهب، وألقاه تحت أرجل الخيل، لتهون عند رسلها اللبن التي جاؤوا بها.

ويروى: أنه لما صرف الهدية عليها; قالت لقومها: هذا أمر من السماء، فجعلت سريرها في بيت، وجعلت عليه الحرس، وتوجهت إلى سليمان، فقال سليمان للجن: أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ؟ روي ذلك عن وهب، وغيره.

وقال ابن عباس: كان أمره بالإتيان بالعرش قبل أن يكتب الكتاب إليها، ولم يكتب إليها حتى جاءه العرش.

[ ص: 92 ] فلما جاء سليمان ; أي فلما جاء رسولها سليمان.

وقوله: فما آتاني الله خير مما آتاكم يعني: الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، والنبوة.

وقوله: أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين : قال قتادة: لأنهم إذا أسلموا لم يجز له أن يأخذ منهم شيئا، وقيل: أراد أن يريهم معجزة.

ابن عباس: معنى {مسلمين} : مستسلمين طائعين.

ابن جريج: يعني: الإسلام الذي هو دين الله.

وقوله: قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك يعني: مجلسه الذي يحكم فيه، عن قتادة.

و (العفريت ) : المارد القوي الداهية، وقيل: معنى {عفريت} : رئيس، وفي الخبر: أن اسم العفريت: كودن.

وقوله: وإني عليه لقوي أمين أي: قوي على حمله، أمين على ما فيه.

ابن عباس: أمين على فرج المرأة.

وقوله: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك : قال ابن جبير: رفع طرفه، ثم رده; فإذا بالعرش، وعنه أيضا أن المعنى: قبل أن يصل إليك أقصى من ترى.

مجاهد: كان بينه وبين العرش كما بين الكوفة والحيرة.

قال عبد الله بن شداد: ظهر العرش من نفق تحت الأرض.

[ ص: 93 ] و الذي عنده علم من الكتاب : رجل من الإنس، كان يعرف اسم الله الأعظم، قاله ابن عباس وقتادة، وقيل: إنه آصف بن برخيا من بني إسرائيل، وقيل: اسمه بلخ، النخعي: هو جبريل، ابن لهيعة: بلغني أنه الخضر، وقيل: هو سليمان عليه السلام.

الزهري: دعا الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا، لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها، وقيل: إنه قال: يا إلهنا وإله كل شيء، يا ذا الجلال والإكرام.

وقوله: فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي : هذا من قول سليمان عليه السلام.

وقوله: قال نكروا لها عرشها الآية: معنى (نكروه ) : غيروه.

روي: أنه جعل أعلاه أسفله.

قتادة: غير بزيادة ونقصان.

وقوله: ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون أي: أتعرف عرشها أم لا تعرفه؟

وقوله: قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو : فشبهته به، ولم تحقق.

[ ص: 94 ] وقوله: وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين : هذا من قول سليمان.

وصدها ما كانت تعبد من دون الله : قال مجاهد: أي: أكفرها ما كانت تعبده، وقيل: المعنى: صدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله.

وقوله: قيل لها ادخلي الصرح : قيل: كان الصرح صحنا من زجاج، تحته الماء، وفيه الحيتان، عمله ليريها ملكا أعظم من ملكها.

[وقيل: ليختبر به عقلها].

وقيل: ليختبر قول الجن فيها: إن أمها من الجن، ورجلها رجل حمار; لأن الجن خافت أن يتزوجها، فتلد منه، فلا تفارقهم السخرة، قال محمد بن كعب، وقال: فلما كشفت عن ساقيها; فإذا هي أحسن النساء ساقا، وكانت شعرة الساقين، فهي أول من صنعت لها النورة.

وقال مجاهد: كانت هلباء شعراء، قدمها كحافر الحمار، وأمها جنية.

وروي عن ابن عباس: أن أحد أبويها كان من الجن.

أبو عبيدة: {الصرح} : القصر.

[ ص: 95 ] أبو عبيد: {الصرح} : كل بناء عال مرتفع، و (الممرد ) : الطويل.

الفراء: (الصرح الممرد ) : الأملس، من قول العرب: (شجرة مرداء ) ; إذا سقط ورقها، و (تمرد الرجل ) : إذا أبطأ خروج لحيته.

واختلف المفسرون فيما كان من خبر المرأة بعد إسلامها، فقال بعضهم: تزوجها سليمان، وقال بعضهم: زوجها من تبع ملك همدان بعد أن امتنعت بسبب أنها ملكة، حتى نهاها عن تحريم ما أحل الله لها، وكان تبع ملك اليمن.