التفسير:
قوله: ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه أي: ذلك الذي أمرتم به- من الوفاء بالنذور، والطواف بالبيت- هو الغرض الواجب عليكم.
ومن يعظم حرمات الله أي: من يجتنب مع ذلك ما أمر باجتنابه; تعظيما لحدود الله; فهو خير له عند ربه .
وقوله: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق : هذا تمثيل لبعده من الحق، و (السحيق) : البعيد.
وقيل: المعنى: من يشرك بالله يكن يوم القيامة بهذه الصفة; لا يملك له أحد نفعا، ولا يملكه لنفسه، ولا يمكنه امتناع مما يناله من العذاب، فهو [ ص: 453 ] بمنزلة من خر من السماء، فهو يهوي، وبمنزلة من تحمله الريح، فترمي به في مكان بعيد، لا يقدر لنفسه على شيء.
والضمير في محلها إلى البيت العتيق : للبدن، وقيل: للمناسك، وقال لأيام الحج. ابن زيد:
ولكل أمة جعلنا منسكا : قال يعني: هراقة دماء الهدي، وكذلك: مجاهد: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه .
وقيل: إن الأول يراد به: الذبح، وقوله: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه : يراد به: المنهاج من الدين; لقوله: فلا ينازعنك في الأمر ; أي: لا يخالفنك فيما تأمرهم به من المناسك.
وقوله: وبشر المخبتين : قيل: هم المخلصون، وقيل: الذين لا يظلمون الناس.
هم المطمئنون بأمر الله عز وجل، المتواضعون. مجاهد:
وقوله: والبدن جعلناها لكم من شعائر الله الآية:
قال مجاهد: سميت البدن بدنا; لأنها تسمن، وهي جمع (بدنة) ; كـ (خشبة، وخشب) ، والإسكان أكثر في {والبدن} ; لأن أصله النعت; إذ هو من [ ص: 454 ] (البدانة) ، و (خشب) اسم ليس بنعت، والنعت أثقل من الاسم; فهو أولى بالتخفيف.
وقوله: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها قال كانوا في الجاهلية ينضحون بدماء البدن ما حول البيت، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فنزلت الآية. ابن عباس:
وقوله: ولكن يناله التقوى منكم يعني: ما أريد به وجه الله.
وقوله: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا : قال هذه ابن جبير: لما خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة; ومعنى أول آية نزلت في القتال، بأنهم ظلموا : لأنهم ظلموا; أي: من أجل الظلم الذي لحقهم.
هذه الآية مخصوصة في قوم أرادوا الخروج من مكة إلى المدينة، فمنعوا، فأذن للمؤمنين في قتال الكفار. مجاهد:
الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق : بدل من {للذين} ، ويجوز أن يكون مبتدأ.
قال والمراد في الآية: النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومن أخرج معه. الضحاك:
وقوله: إلا أن يقولوا ربنا الله : استثناء منقطع، وهو مذهب وقيل: المعنى: إلا بأن يقولوا: ربنا الله; على البدل من {حق} . سيبويه،
[ ص: 455 ] وقوله: لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا : قال رضي الله عنه: لولا أن الله يدفع بأمة محمد صلى الله عليه وسلم; لهدمت صوامع، الآية. علي
المعنى: لولا أن الله يدفع بالشهادات المقبولة، وأخذ الحقوق; لتظالم الناس، فهدمت صوامع، الآية. مجاهد:
المعنى: لولا أن الله يدفع بمن في المساجد عمن ليس في المساجد، وبمن يغزو عمن لا يغزو; لأتاهم العذاب، ولاختلفوا، فهدمت صوامع، الآية. أبو الدرداء:
و(الصوامع) : صوامع الرهبان، و (البيع) : كنائس النصارى، عن مجاهد، وغيرهما، وقيل: (البيع) : كنائس اليهود. وقتادة،
(الصلوات) : الكنائس; والمعنى: ومواضع صلوات. ابن عباس:
الضحاك: هي كنائس اليهود.
(الصلوات) : مساجد الصابئين. أبو العالية:
هي صلوات المسلمين تنقطع إذا دخل العدو عليهم، وتهدم المساجد. ابن زيد:
(هدم الصلوات) : تركها. الحسن:
هو على إضمار: (وتركت صلوات) . الأخفش:
[ ص: 456 ] وقيل: (الصلوات) : القباب على شاطئ الأنهار.
والضمير في {فيها} من قوله: يذكر فيها اسم الله كثيرا يجوز أن يعود على الجميع، ويجوز أن يعود على (الصلوات) خاصة.
وقوله: الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة الآية:
قال يعني الولاة، وقال ابن أبي نجيح: هو شرط شرطه الله ـ تعالى ـ على من آتاه الملك، وقيل: هي في الصحابة خاصة. الضحاك:
وقوله: وكذب موسى : لم يعطف على ما قبله فيكون: وقوم موسى; لأن الذين كذبوه ليسوا قومه.
وقوله: فكيف كان نكير أي: فانظر كيف كان تغييري ما كانوا فيه من النعم، فكذلك أفعل بالمكذبين من قريش.
وقوله: وبئر معطلة أي: لا أهل لها.
وقصر مشيد أي: حصين، عن ابن عباس، وهو (مفعل) بمعنى: مفعول; كـ (مبيع) بمعنى: مبيوع.
عكرمة: {مشيد} : مجصص.
طويل. الضحاك:
وقوله: فإنها لا تعمى الأبصار أي: فإن القصة لا تعمى الأبصار.
[ ص: 457 ] وقوله: في الصدور بعد قوله: ولكن تعمى القلوب ; توكيد.
قال نزلت هذه الآية في ابن جبير: ابن أم مكتوم.
وقوله: وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون : قال يعني: من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض. ابن عباس:
يعني: من أيام الآخرة، أعلمهم الله عز وجل- إذ استعجلوا بالعذاب في أيام قصيرة- أنه يأتيهم في أيام طويلة. عكرمة:
وقيل: المعنى: وإن يوما في الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة.
وقيل: المعنى: وإن قدر يوم من أيام الدنيا يعذب فيه الكافر في الآخرة كقدر ألف سنة يعذبها في الدنيا في الألم والشدة.
وقاس بعض أهل التأويل على ذلك المنعم من أهل الجنة في تقدير نعيمه.
وقوله: والذين سعوا في آياتنا معاجزين : قال أي: مشاقين. ابن عباس:
أي: مثبطين عن الإسلام. عبد الله بن الزبير:
[ ص: 458 ] ظنوا أنهم يعجزون الله، وكذلك معنى قراءة من قرأ: {معجزين} ، ويجوز أن يكون معناه: أنهم يعجزون المؤمنين في الإيمان بالآيات. قتادة:
وقوله: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الآية:
معنى {تمنى} : تلا، عن ابن عباس، وغيرهما. ومجاهد،
وسبب نزولها: أن الشيطان ألقى في تلاوة النبي عليه الصلاة والسلام وقد قرأ (سورة النجم) في الصلاة عند قوله: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى [النجم: 19- 20]، فألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهم لترتجى، فسجد، وسجد المشركون معه، فنزلت الآية.
وعن أيضا: أن المعنى: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه، وهو اختيار ابن عباس وحكاه أهل اللغة. الطبري،
[ ص: 459 ] واستدل بعض أهل التأويل بقوله: من رسول ولا نبي على أن على أن يكون المعنى: إذا تلا ما أوحي إليه، والصحيح: أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا. كل رسول نبي، وكل نبي رسول،
وقوله: ولا يزال الذين كفروا في مرية منه أي: في شك من النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: من القرآن، وقيل: مما ألقاه الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: أو يأتيهم عذاب يوم عقيم : قال مجاهد، عذاب يوم بدر، ومعنى {عقيم} : لا مثل له في عظمه; لأن الملائكة قاتلت فيه، وقيل: لأنهم لم ينظروا إلى الليل، فصار يوما لا ليلة له، وكذلك يكون على معنى قول الضحاك: إنه يوم القيامة; لأنه يوم لا ليلة له. وقتادة:
وقيل: معنى {عقيم} : أعقم فيه الخير والفرج عن الكفار; أي: منع.
وقوله: والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا الآية:
يروى: أن هذه الآية نزلت بسبب اختلاف وقع بين المسلمين في المقتول أو الميت في سبيل الله; فقال بعضهم: المقتول أفضل، فأعلمهم الله ـ تعالى ـ أنهما في الفضل سواء.
وقوله: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به : القول في تسمية الأول عقوبة كالقول في وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى: 40].