التفسير :
قال : معنى قتادة فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى : تناجوا ، فقالوا : إن كان ما جاء به سحرا ؛ فسنغلبه ، وإن كان من عند الله ؛ فسيكون له أمر .
: كان سرهم : ابن وهب إن هذان لساحران .
وقيل : كان سرهم أن قالوا- حين قال لهم موسى : ويلكم لا تفتروا على الله كذبا - : ما هذا بقول ساحر .
[ ص: 320 ] وقوله : ويذهبا بطريقتكم المثلى : قال : المعنى : يصرفان الناس إليهما ؛ فالمعنى : ويذهبا بأهل طريقتكم . علي رضي الله عنه
: المعنى : ويذهبا بملككم الذي أنتم فيه وعيشكم . ابن عباس
: يعني : أولي الشرف ، والعقل ، والسن . مجاهد
: ويذهبا ببني إسرائيل . قتادة
: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها . ابن زيد
و {المثلى} : نعت لـ (الطريقة ) ، وهي تأنيث (الأمثل ) ، والعرب تقول : (طريقة قوم ) في الواحد ، والتثنية ، والجمع ، وربما جمعوا ، فقالوا : (هؤلاء طرائق قومهم ) ؛ أي : أشرافهم ، وساداتهم .
وقوله : فأجمعوا كيدكم أي : كونوا مجتمعين على كيدكم ، ولا تتفرقوا ، يقال : (أجمعت الأمر ) ؛ إذا عزمت عليه ، وهذا من قول بعض السحرة لبعض ، وقيل : من قول فرعون .
ومن قرأ : {فاجمعوا} ؛ فالمعنى : جيئوا بجميع كيدكم .
ثم ائتوا صفا قيل : هو مصدر ؛ فلذلك لم يجمع .
: يعني : مصلى العيد ، وحكي : (ما قدرت أن آتي الصف ) ؛ أي : أبو عبيدة
[ ص: 321 ] المصلى ، فقوله : {صفا} على هذا مفعول لـ {ائتوا} .
: يجوز أن يكون المعنى : ثم ائتوا والناس مصطفون ، فيكون على هذا مصدرا في موضع الحال . الزجاج
وقوله : وقد أفلح اليوم من استعلى أي : بالغلبة .
وقوله : قال بل ألقوا : حذف بعد هذا (فألقوا ) ؛ لدلالة المعنى عليه .
وقوله : فأوجس في نفسه خيفة موسى أي : أضمر ، وقيل : وجد ، وقيل : أحس ، وذلك على ما يعرض من طباع البشر .
وقيل : خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه .
وقيل : خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك ؛ فيفتتنوا .
فألقي السحرة سجدا أي : لعظيم ما رأوه .
ولأصلبنكم في جذوع النخل أي : على جذوع النخل ؛ لأن النخلة مشتملة عليه ؛ فهو عليها ، وفيها .
[ ص: 322 ] وقوله : قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا} : قيل : إن والذي فطرنا معطوف ، وقيل : قسم .
وقوله : إنما تقضي هذه الحياة الدنيا أي : إنما ينفذ أمرك فيها .
وقوله : وما أكرهتنا عليه من السحر : قال : كانوا يعلمون السحر أطفالا . الحسن
وقيل : إن {ما} نافية ، و {من} لبيان الجنس ؛ والمعنى : ليغفر لنا خطايانا من السحر ، وما أكرهتنا عليه .
وقوله : والله خير وأبقى أي : خير لنا إن أطعناه ، وأبقى عذابا منك إن عصيناه ، وهذا جواب لقوله : ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى .
وقوله : فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا أي : لا تخرج نفسه ، ولا تستقر في مقرها ، بل هي معلقة بالحناجر .
ومعنى من يأت ربه مجرما : من يأت موعد ربه .
وقوله : لا تخاف دركا ولا تخشى : قال : أي : لا تخاف من ابن عباس فرعون دركا ، ولا تخشى من البحر غرقا .
: التقدير : لا تخاف دركا فيه ؛ فحذف . الأخفش
وقوله : فأتبعهم فرعون بجنوده أي : أتبعهم ومعه جنوده .
[ ص: 323 ] فغشيهم من اليم ما غشيهم أي : غشيهم منه ما غرقهم ، [فالضمير في الأول والثاني لفرعون وجنوده ، ويكون معنى {ما غشيهم : البعض من اليم ؛ لأنه لم يغشهم جميع مائه ، أو يكون على معنى تعظيم الأمر ؛ كما قال : وفعلت فعلتك التي فعلت [الشعراء : 19 ] .
ويجوز أن يكون الضميران مختلفين ؛ ويكون ذلك على وجهين :
أحدهما : أن يكون الأول لفرعون وجنوده ، والثاني لموسى عليه السلام وقومه ؛ لأنهم سلكوا مسلكا واحدا ، فنجا هؤلاء ، وغرق هؤلاء .
والثاني : أن يكون الأول لفرعون وجنوده ، والثاني للأمم السالفة ؛ فالمعنى : غشيهم من الغرق ما غشي أسلافهم المكذبين .
ويجوز أن يكون {غشيهم} الأول لـ {اليم} ، والثاني للهلاك والعطب ؛ فالمعنى : فغشيهم من قبل اليم ما غشيهم من العطب والهلاك ] .
وقوله : وأضل فرعون قومه وما هدى أي : استمر بهم على الإضلال ، وقيل : إن قوله : وما هدى تأكيد لإضلاله إياهم .
وقوله : فيحل عليكم غضبي أي : ينزل ؛ على ضم الحاء ، ومعنى الكسر : يجب .
وقوله : ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى أي : هوى إلى النار ، وقيل : معناه : هلك .
[ ص: 324 ] وقوله : وإني لغفار لمن تاب : قيل : من الشرك ، وقيل : من ذنوبه .
وعمل صالحا : فيما بينه وبين الله تعالى .
وقوله : ثم اهتدى : قال : لم يشك ، ابن عباس : لزم الإسلام حتى يموت ، قتادة : أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، أنس بن مالك : أصاب العمل ] ، [ابن زيد : علم أن لذلك ثوابا ، وعليه عقابا . الفراء
وقوله : وما أعجلك عن قومك يا موسى : يروى : أن الله تعالى لما أنجى نبي إسرائيل ، وقطعوا البحر ؛ وعد موسى ومن معه جانب الطور الأيمن ، فتعجل موسى إلى ربه ، وترك قومه مع هارون يسير بهم ، وتقدم خبر السامري والعجل .
وقوله : فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا : قال وغيره : {أسفا} : حزينا . ابن عباس
وقوله : ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا يعني : وعده إياهم بالنجاة من عدوهم ، ومجيئهم إلى جانب الطور الأيمن ، وبأنه يغفر لمن تاب ، وآمن ، وعمل صالحا ، ثم اهتدى .
وقوله : فأخلفتم موعدي : قال : أي : عهدي . مجاهد
[ ص: 325 ] وقوله : قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا : قال ، قتادة : أي : بطاقتنا ، والسدي : لم نملك أنفسنا . ابن زيد
ومعنى ضم الميم : بسلطاننا ؛ أي : لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك ، ومعنى فتح الميم كمعنى كسرها ، والمصدر مضاف إلى الفاعل ، والمفعول محذوف ؛ كأنه قال : بملكنا الصواب .
وقيل : إن (الملك ) الشيء المملوك ، و (الملك ) : المصدر .
وقوله : ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم يعنون : حلي القبط الذي حملوه مع أنفسهم حين خرجوا من مصر ، على ما قدمناه في (البقرة ) ، وقيل له : (أوزار ) ؛ لثقله .
وقوله : {فقذفناها} أي : في النار .
وقوله : فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي : قيل : المعنى : فنسي موسى أن يذكر لكم أن العجل إلهه ، عن ، ابن عباس ، وغيرهما ؛ فهو من قول ومجاهد السامري ، وعن أيضا : نسي ابن عباس السامري الدين الذي بعث الله به موسى ؛ أي : تركه .
وقيل : المعنى : قال لهم السامري : نسي موسى إلهه عندكم ، ومضى يطلبه .
وقيل : المعنى : فنسي موسى الطريق ، وضل عنه .
وقوله : {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا يعني : العجل .
يروى : أنه خار مرة ، ولم يرجع إلى الخوار .
[ ص: 326 ] وقيل : المعنى : لا يجيب داعيه .
وقوله : ولقد قال لهم هارون من قبل أي : من قبل رجوع موسى .
وقوله : قالوا لن نبرح عليه عاكفين أي : لن نبرح على عبادته مقيمين .