الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ، بعد قوله: لبثنا يوما أو بعض يوم : قيل: لأنهم رأوا ما يدل على طول لبثهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة : قال ابن عباس: كانت ورقهم كأخفاف الربع; يعني: الإبل الصغار.

                                                                                                                                                                                                                                      فلينظر أيها أزكى طعاما أي: أطهر، عن ابن عباس; لأن قومهم كانوا يأكلون الخنزير.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: خير طعاما.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 166 ] مقاتل: أطيب طعاما.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: أحل ذبيحة.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: أكثر، وقيل: أرخص.

                                                                                                                                                                                                                                      {وليتلطف} أي: في ابتياع الطعام خفية.

                                                                                                                                                                                                                                      إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أي: بالحجارة، وقال ابن جريج: بالقول.

                                                                                                                                                                                                                                      ولن تفلحوا إذا أبدا أي: إن عدتم في ملتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك أعثرنا عليهم أي: أطلعنا، عن قتادة، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ليعلموا أن وعد الله حق أي: ليعلم المكذبون بالبعث، ويزداد المؤمنون إيمانا.

                                                                                                                                                                                                                                      إذ يتنازعون بينهم أمرهم يعني: تنازع الذين اختلفوا في بعث الأرواح والأجساد، لأن الناس حينئذ اختلفوا في كيفية البعث; فقال قوم: تبعث الأرواح والأجساد، وقال قوم: تبعث الأرواح بغير أجساد.

                                                                                                                                                                                                                                      والعامل في {إذ} : {أعثرنا} ، وقيل: التقدير: ليعلموا في وقت منازعتهم أن وعد الله حق في بعث الأجساد، فالعامل في {إذ} على هذا: {ليعلموا} .

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: إنما كان تنازعهم حين اطلعوا عليهم، فقال بعضهم: هم أموات، وقال بعضهم: أحياء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (تنازعهم) : قول المؤمنين: نبني عليهم مسجدا، وقول المشركين: نبني عليهم كنيسة، فغلب المؤمنون، كما أخبر الله تعالى في قوله: قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 167 ] وقال قتادة: (الذين غلبوا على أمرهم) : الولاة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم إلى قوله: وثامنهم كلبهم : دخلت الواو في {وثامنهم} خاصة، ولو دخلت في الأولين; لكان حسنا، لأن الجملة الثانية إذا التبست بالأولى; جاز إثبات الواو وحذفها، ولا يجوز حذف الواو إذا لم ترتبط الجملة الثانية بالأولى; نحو: (لقيتك وزيد راكب) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: دخلت الواو; لتدل على أن القصة قد انقضت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: دخلت; لأن (السبعة) أصل للمبالغة; كما قال: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [التوبة: 80].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: رجما بالغيب أي: قذفا بالظن، عن قتادة وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا أي: بما ظهر لك من أمرهم، قاله ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تستفت فيهم منهم أحدا أي: لا تستفت في خبر أصحاب الكهف من أهل الكتاب أحدا، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا أي: عسى أن يعطيني من الدلائل على النبوة ما هو أبين من خبر أصحاب الكهف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لعل ربي أن يرشدني لأقرب مما وعدتكم به.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 168 ] وقوله: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ، ثم قال: قل الله أعلم بما لبثوا ; فبين تعالى مقدار لبثهم، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن حاجك في ذلك المشركون من أهل الكتاب وخالفوك; فقل: الله أعلم بما لبثوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: الله أعلم بما لبثوا إلى الوقت الذي نزل القرآن; أي: من يوم مبعثهم من نومهم إلى وقت نزوله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: الله أعلم بما لبثوا إلى أن ماتوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما قال ذلك; لأنهم لما سمعوا: وازدادوا تسعا ; قالوا: ما التسع؟ أسنون، أم شهور، أم ليال، أم ساعات؟وقال قتادة: إن قوله: ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا إخبار عن أهل الكتاب، فرد الله تعالى ذلك عليهم بقوله: قل الله أعلم بما لبثوا ، قال: وفي قراءة ابن مسعود: (وقالوا لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل الله أعلم بما لبثوا : قيل: معنى {أعلم} : عالم، وقيل: هي على بابها; والمعنى: أعلم من المختلفين في لبثهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أبصر به وأسمع : تعجب; أي: ما أبصره وأسمعه! أي: هو عالم بخبر أصحاب الكهف وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يشرك في حكمه أحدا : قيل: معناه: لا يحكم أحد إلا بما حكم الله به، أو دل عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 169 ] وقيل: المعنى: لا يشركه أحد فيما يريده، ولا يضاده، ولا يتعقب عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولن تجد من دونه ملتحدا أي: ملجأ، عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: موئلا، وقيل: معدلا، وقيل: ميلا، من قولهم: (لحدت إلى كذا) ; إذا ملت إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي : قال ابن عمر، وغيره: يعني: الصلاة المكتوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تعد عيناك عنهم أي: لا تصرف بصرك عنهم، وتميل إلى المترفين.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      روي: أنها نزلت في الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن; لأن كل واحد منهما كان يدعي أنه أشرف قومه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في المشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرد ضعفاء المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد في قوله: {فرطا} : ضياعا، وقيل: هلاكا، وقيل: إسرافا، وقيل: ندما.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: {فرطا} : متروكا; أي: قد تركت فيه الطاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنه من (أفرط) ; إذا أسرف وتجاوز; فكأن كون أمره فرطا: إسرافه [ ص: 170 ] وتجاوزه الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر : قال ابن عباس: من شاء الله له الإيمان; آمن، ومن شاء له الكفر; كفر.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: هو وعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها : قال ابن عباس، وابن زيد: (السرادق) : حائط من نار كسرادق الفسطاط، يحيط بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو البحر المحيط بالدنيا، وجاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن البحر جهنم"، وتلا هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى عنه الخدري أنه قال: "سرادق النار أربعة جدر، كثف كل واحد منها مسيرة أربعين سنة".

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (السرادق) ههنا: الدخان الذي يحيط بالكفار يوم القيامة; وهو الذي قال فيه: انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب [المرسلات: 30].

                                                                                                                                                                                                                                      و (السرادق) في اللغة: ما أحاط بالشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يغاثوا بماء كالمهل : (المهل) : كل شيء أذيب حتى انماع.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: دردي الزيت.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 171 ] مجاهد: الدم والقيح، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه صديدهم".

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن جبير: هو الذي انتهى حره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو ما أذيب من الذهب، والفضة، والرصاص، والنحاس.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: هو ماء جهنم، هو أسود، وهي سوداء، وشجرها أسود، وأهلها سود.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو عكر القطران.

                                                                                                                                                                                                                                      يشوي الوجوه : أي: يحرقها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قربه إلى وجهه; سقطت فروة وجهه فيه"، رواه عنه الخدري.

                                                                                                                                                                                                                                      بئس الشراب أي: بئس الشراب هذا الذي يغاثون به.

                                                                                                                                                                                                                                      وساءت مرتفقا أي: ساءت النار مرتفقا، و (المرتفق) : المتكأ; فالمعنى: موضع مرتفق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 172 ] أي: من أحسن عملا منهم؟ فحذف، وقيل: المعنى: لا نضيع أجرهم، والآية عامة في من كان على الصفة المذكورة فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى البراء بن عازب: أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها; فقال: "نزلت في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي" رضي الله عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية