الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه : قال ابن عباس وغيره: {طائره} : عمله، وعنه أيضا: ما قدر عليه لا يفارقه.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: رزقه، وأجله، وشقاوته، وسعادته.

                                                                                                                                                                                                                                      وحقيقته: ما يطير له من خير أو شر; فخوطبوا بما يعلمون من استعمالهم في التفاؤل سوانح الطير وبوارحها.

                                                                                                                                                                                                                                      وخص (العنق) ; لأنه موضع القلادة والسمة، والتعاليق تستعمل فيه كثيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا أي: محاسبا يحسب عليك أعمالك، فلا تحتاج مع حسابه إلى شاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة: سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: إنها نزلت في أبي سلمة بن الأسود وكان مؤمنا، وفي الوليد بن المغيرة وكان كافرا، وكان يقول: اتبعوني وأنا أحمل أوزاركم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا : روي عن أبي هريرة: أن الله تعالى يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة، والأبكم، والأخرس، والأصم; [ ص: 82 ] فيطيعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا، وتلا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال غيره: إنما ذلك في الدنيا; والمعنى: وما كنا معذبين أحدا بالإهلاك حتى نبعث رسولا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها أي: أمرناهم بالطاعة، ففسقوا، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: المعنى: أكثرنا; يعني: {أمرنا} المقصور المخفف، وحكى نحوه أبو زيد، وأبو عبيدة، وأنكره الكسائي، وقال: لا يقال من الكثرة إلا (آمرنا) بالمد، قال: وأصلها: (أمرنا) ; فخففت.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: معنى {أمرنا} : سلطنا; أي: جعلنا لهم كثرة وسلطانا، وقيل: جعلناهم أمراء.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {أمرنا} ; فهي لغة، ووجه تعدية (أمر) شبهه بـ(عمر) ; من حيث كانت الكثرة أقرب شيء إلى العمارة; فعدي كما عدي (عمر) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {آمرنا} ; بالمد، فالمعنى: أكثرنا عددهم، وقال الحسن: [ ص: 83 ] أكثرنا فسادهم، وهو من قولهم: (أمر بنو فلان) ; إذا كثروا.

                                                                                                                                                                                                                                      و (مترفوها) : مستكبروها، مجاهد: فساقها، وتقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: من كان يريد العاجلة الآية: أي: من يريدها، ولا يريد الآخرة، ولا يعمل لها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مذموما مدحورا أي: مذموم الأحوال والأعمال، وتقدم معنى {مدحورا} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن أراد الآخرة أي: ثوابها، وسعى لها سعيها ; أي: عمل لها عملها، ثم أخبر أن ذلك لا ينفع إلا مع الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كان سعيهم مشكورا : قال قتادة: شكر الله تعالى حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك : أعلم الله تعالى أنه يرزق المؤمنين والكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كان عطاء ربك محظورا أي: ممنوعا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 84 ] وقوله: لا تجعل مع الله إلها آخر : قيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد: الأمة، وقيل: الخطاب للإنسان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي: أمر أمرا أحكمه، وفرغ منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلا تقل لهما أف : {أف} : كلمة تستعمل في الضجر، خرجت مخرج الكلمة المحكية.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: المعنى: لا تستقذرهما كما لم يكونا يستقذرانك.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء: لا تنفض يديك على والديك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنهرهما أي: لا تغلظ لهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقل لهما قولا كريما أي: سهلا لينا، عن قتادة، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن المسيب: قول العبد الذليل للسيد الفظ الغليظ.

                                                                                                                                                                                                                                      واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أي: كن بمنزلة الذليل المقهور; إكراما لهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ربكم أعلم بما في نفوسكم : قال ابن جبير: هي البادرة تكون من الرجل لأبويه، لا يريد بها إلا الخير، وقيل: هو عام.

                                                                                                                                                                                                                                      فإنه كان للأوابين غفورا قال ابن المسيب: (الأواب) : الذي يذنب، ثم يتوب، ثم يذنب، ثم يتوب، [ثم يذنب، ثم يتوب].

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وغيره: هو الراجع عن ذنبه بالتوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 85 ] ابن المنكدر: هو المصلي بين المغرب والعشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      عون العقيلي: هو المصلي صلاة الضحى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها يعني: عن هؤلاء الذين أمرت بإعطائهم، فإذا لم تجد ما تعطيهم; فلا تؤيسهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فقل لهم قولا ميسورا أي: لينا، قال بمعناه ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: إن خشيتم منهم أن ينفقوا ما تعطونهم في غير طاعة الله تعالى; فقولوا لهم قولا جميلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنها نزلت في بلال، وخباب، وعامر بن فهيرة، ونظرائهم من فقراء المسلمين، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، فيسكت، ويعرض عنهم; إذ لا يجد ما يعطيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك : قال قتادة، وغيره: المعنى: لا تمتنع من الإنفاق في الطاعة، ولا تبسط يدك كل البسط; فتنفق في غير حق.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 86 ] فتقعد ملوما محسورا معنى قوله: {ملوما} : مذنبا، أو آثما {محسورا} : قد انقطع بك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: يلومك من يسألك; فلا يجد عندك ما تعطيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: المعنى: لا تمسك عن النفقة في الخير، ولا تسرف في النفقة في الحق والباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل (محسور) من (الكلال) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن قتلهم كان خطئا كبيرا : (الخطء) : ما يكون تعمدا، يقال منه: (خطئ; يخطأ) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الخطاء) مصدر (خاطأ) ، وإن لم يسمع، وقد جاء ما يدل عليه; كقول الشاعر: [من المتقارب]

                                                                                                                                                                                                                                      تخاطأت النبل أحشاءه .....................

                                                                                                                                                                                                                                      فـ (تخاطأ) : مطاوع (خاطأ) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 87 ] و {خطأ} : جائز أن يكون بمعنى: (خطئا) ; كـ (الشبه) ، و (الشبه) ، فجاء بمعنى: (خطئ) ; كما جاء (أخطأ) بمعنى: (خطئ) في قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة: 286]، والمعنى: خطئنا; أي: لم نتعمد الذنب; لأن المؤاخذة موضوعة عن المخطئ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (الخطأ) و (الخطء) من (خطئت أخطأ) ; فـ (الخطأ) : الاسم و (الخطء) : المصدر، و (الخطاء) : اسم بمعنى المصدر، فهو من (أخطأت إخطاء) ; كـ (العطاء) من (أعطيت) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الخطء) : مصدر (خطئ) أيضا، يقال في مصدره بفتح الخاء وكسرها.

                                                                                                                                                                                                                                      و {خطا} و {خطا} غير مهموز: أصلهما: (خطا) و (خطا) مهموزان، فخففت الهمزة التخفيف القياسي، وجميع هذه الوجوه مقروء بها على ما سيأتي ذكره في القراءات إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 88 ] وقوله تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا : قال الضحاك: (السلطان) : أن يقتل قاتل وليه، أو يأخذ الدية، أو يعفو، وقيل: معناه: حجة.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يسرف في القتل : قال مجاهد: لا يقتل غير قاتله.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود: لا يقتل اثنين بواحد.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: لا يقتل أبا القاتل، ولا ابنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا يمثل، وقيل: المعنى: لا يسرف القاتل الأول في القتل.

                                                                                                                                                                                                                                      إنه كان منصورا أي: أن المقتول، وقيل: الولي، وقيل: دم المقتول منصور على القاتل.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيد: (الهاء) للقاتل; [والمعنى: أن القاتل كان منصورا إذا أقيد منه في الدنيا، وسلم من عذاب الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: (الهاء) للقتل].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا أي: كان مسؤولا عنه من نقضه، وقيل: معنى قوله: {مسئولا} : مطلوبا.

                                                                                                                                                                                                                                      و (العهد) : كل عقد يجب الوفاء به، من أمور الله تعالى، وأمور المخلوقين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 89 ] وقوله: وزنوا بالقسطاس المستقيم : قال مجاهد: (القسطاس) : العدل، الضحاك: هو الميزان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تقف ما ليس لك به علم : قال قتادة: أي: لا تقل: (سمعت) ولم تسمع، ولا (رأيت) ولم تر، ولا (علمت) ولم تعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن الحنفية: هذا في شهادة الزور.

                                                                                                                                                                                                                                      و (القفو) : اتباع الأثر، وأصله: من (قاف يقوف قيافة) ; فقلبت: وقد حكى الكسائي: (قفوت أثره) ، و (قفت أثره) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا : قال الزجاج: كل ما أشرت إليه من الناس وغيرهم، ومن الموات; فلفظه لفظ (أولئك) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يقال ذلك لكل ما تشير إليه وهو متراخ عنك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (هؤلاء) و (أولئك) للجمع القليل، الواقع للتذكير والتأنيث، فإذا [ ص: 90 ] أريد الكثير; جاء بالتأنيث، فقيل: (هذه) ، و (تلك) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تمش في الأرض مرحا أي: مستكبرا، قتادة: لا تمش خيلاء، وكبرا، وقيل: (المرح) : البطر والأشر، وقيل: التبختر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره مستخفا بالواجب عليه، وكل ذلك متقارب.

                                                                                                                                                                                                                                      إنك لن تخرق الأرض [أي: لن تقطعها باستكبارك واختيالك].

                                                                                                                                                                                                                                      ولن تبلغ الجبال طولا : بتطاولك، وقيل: المعنى: لن تنال بذلك شيئا لا يناله غيرك ممن لا فخر ولا اختيال فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى: لن تخرق الأرض : لن تقطعها كلها; كأنه مأخوذ من (الخرق) ; وهو الفلاة الواسعة، سميت بذلك; لانقطاع أطرافها بتباعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      {كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها} أي: كل ما نهي عنه كان سيئة; فـ {كل} أحاطت بالمنهي عنه فقط.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {سيئه} ; فلأنه تقدم ذكر حسن وسيئ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفأصفاكم ربكم بالبنين أي: أفأخلص لكم البنين دونه، [ ص: 91 ] وجعل البنات مشتركات بينكم وبينه؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية