الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الذي بنوا : تأكيد لـ {بنيانهم} أنه قد بني؛ لئلا يتوهم أنه يبنى في المستقبل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 310 ] ريبة في قلوبهم : قيل: يعني: شكا، وقيل: يعني: كفرا.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا أن تقطع قلوبهم أي: إلا أن يموتوا، عن مجاهد، وغيره، وقيل: المعنى: إلا أن يتوبوا توبة يندمون فيها، حتى يكونوا بمنزلة من قطع قلبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم : تمثيل؛ كقوله: اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة [البقرة: 86].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: التائبون العابدون الحامدون الآية: قال الحسن: {التائبون} : من الشرك، {العابدون} : لله وحده، {الحامدون} : على نعمه.

                                                                                                                                                                                                                                      و {السائحون} : الصائمون، عن ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل (السياحة) : الذهاب على وجه الأرض، والاستمرار عليه، فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه الصائم من الطعام وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المراد: الذين يصومون الفرض، وقيل: الفرض وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 311 ] الراكعون الساجدون يعني: المصلين، قيل: يعني: الفرائض، وقيل: الفرائض والنوافل.

                                                                                                                                                                                                                                      الآمرون بالمعروف : قيل: بالإيمان، والناهون عن المنكر : قيل: عن الكفر، وقيل: هو عموم في كل معروف ومنكر.

                                                                                                                                                                                                                                      ودخلت الواو في {والناهون} خاصة؛ لمصاحبة النهي عن المنكر الأمر بالمعروف، فلا يكاد يذكر واحد منهما مفردا، ودخلت في {والحافظون} ؛ لقربه من المعطوف.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: والحافظون لحدود الله : القائمون بما أمر الله به، والمنتهون عما نهى عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: إن إبراهيم لأواه حليم : قال ابن مسعود، وابن عباس: (الأواه) : الدعاء، وعن ابن عباس أيضا: التواب.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وقتادة: الرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: الفقيه، وعنه: المؤمن.

                                                                                                                                                                                                                                      أبي بن كعب: هو الذي إذا ذكر النار تأوه، وكذلك قال أبو عبيدة: هو المتأوه شفقا وفرقا، المتضرع يقينا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: هو المسبح.

                                                                                                                                                                                                                                      و (التأوه) في اللغة: التوجع والتحزن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [ ص: 312 ] : قيل: المعنى: حتى يحتج عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: حتى يبين لهم أمر إبراهيم؛ لئلا يستغفروا للمشركين، ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة، وعنه أيضا: نزل ذلك حين سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشرب الخمر قبل تحريمها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: الذين اتبعوه في ساعة العسرة يعني: غزوة تبوك؛ أي: في وقت ساعة العسرة، وروي: أنهم كانوا مع عسر الوقت وشدته في فاقة، حتى كانوا ربما مص التمرة جماعة منهم؛ ليشربوا عليها الماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم أي: تميل إلى الرجوع عن الخروج معه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا أي: خلفوا عن التوبة، عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: عن غزوة تبوك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: خلفوا عن أن يكونوا منافقين فيعتذروا؛ لأنهم صدقوا، ولم يأتوا بعذر كاذب، وتقدم ذكر أسمائهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه : الظن ههنا بمعنى اليقين، و (الملجأ) : ما يعتصم به.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 313 ] وقوله تعالى: ثم تاب عليهم ليتوبوا : [أي: وفقهم للتوبة ليتوبوا].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: فسح لهم، ولم يعجل عقابهم؛ ليتوبوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: تاب عليهم؛ ليثبتوا على التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: تاب عليهم؛ ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وكونوا مع الصادقين أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، عن زيد بن أسلم، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود: المعنى: الزموا التصديق، ولا تعدلوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى {الصادقين} : الصادقين في القول والعمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الصادقين في عهودهم وأيمانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ أي: عطش، ولا نصب أي: تعب، ولا مخمصة أي: مجاعة، وأصله: ضمور البطن، ومنه: (رجل خميص) ، و (امرأة خمصانة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في قول من قال: إن قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة ناسخة، وروي عن ابن عباس أنه قال: ليست في الجهاد؛ وإنما كانت في القبيلة تقبل بأسرها، فتظهر الإسلام وهي كاذبة، حين أجدبت البلاد بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على [ ص: 314 ] مضر بالسنين، فأعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مسلمين؛ فردهم إلى عشائرهم، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان ذلك بسبب عزم المسلمين على ألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا؛ لما نزل في المخلفين.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم : للمقيمين مع النبي صلى الله عليه وسلم في قول قتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: الضميران للفرقة النافرة، وهو اختيار الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار : قال الحسن: نزلت قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين كافة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بذلك: الروم؛ لأنهم كانوا بالشام، وهو أقرب إلى المدينة من العراق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخطى في الجهاد الذين يلونه؛ فأمر بقتال من يليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية