الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 232 ] ولا يقبل منها شفاعة (التاء) : على اللفظ، و (الياء) : على المعنى، ومعنى (شفيع) و (شفاعة) سواء، وليس تأنيث (الشفاعة) بحقيقي; إذ ليس واقعا على أنثى من الحيوان بإزائها ذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ نجيناكم معطوف على {نعمتي} التي عمل فيها {اذكروا} من قوله: نعمتي التي أنعمت عليكم .

                                                                                                                                                                                                                                      والتشديد في {يذبحون} دال على التكثير، [والتخفيف يقوم مقام التشديد، وكذلك التشديد في {فرقنا} أشد تبعيضا من التخفيف، فالمعنى: «جعلناه فرقا» ]، والتخفيف: يؤدي عن معناه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة من قرأ: {واعدنا} ؛ فالوعد كان من الله عز وجل، وليس القبول من موسى بوعد، كما قال كثير من العلماء: لا تكون [ ص: 233 ] المواعدة إلا بين البشر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {واعدنا} ؛ أقام القبول من موسى مقام الوعد، ويجوز أن يكون بمعنى: (وعدنا) ؛ مثل: (عافاه الله) ، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أربعين ليلة مفعول به ثان، على تقدير حذف المضاف، والمعنى: واعدناه تمام أربعين ليلة.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم اتخذتم العجل أصله: (ائتخذتم) ، فجعل لكثرته في الكلام بمنزلة ما فاؤه واو، أو ياء; نحو: (اتعد) ، و (اتسر) .

                                                                                                                                                                                                                                      الأخفش : حمل على ذوات الواو; لأن كل واحدة من الهمزة والواو تبدل من صاحبتها، وقد جاء: (آخذه الله) ، و (واخذه الله) .

                                                                                                                                                                                                                                      والمفعول الثاني لـ {اتخذتم} محذوف، والتقدير: اتخذتم العجل إلها، ولا يكون من المتعدي إلى مفعول واحد; نحو كمثل العنكبوت اتخذت بيتا [العنكبوت: 41]; لأن ظلمهم أنفسهم، والغضب الذي ينالهم; إنما هو لاتخاذهم [ ص: 234 ] العجل إلها، لا لصياغته.

                                                                                                                                                                                                                                      فاقتلوا أنفسكم من قرأ: {فاقتالوا} ، فهو بمعنى: (استقيلوا) ؛ كأنه قال: استقيلوا لأنفسكم، [واستصفحوا عنها; اسألوا ربكم أن يغفر لكم عن أنفسكم]، وغير معروف (افتعلوا) من هذا المعنى، إنما يقال: (استقلت) ، وقد تكون لغة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة : {جهرة} : مصدر في موضع الحال من المضمر في {قلتم} ، أو يكون من جملة قولهم، ومعناه: حتى نرى الله عيانا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفتح (الهاء) من {جهرة} و {زهرة} عند البصريين لغة، وكذلك نظائرهما مما فيه حرف حلق، إذا كان ما قبله مفتوحا; كـ (البحر) و (الصخر) ، وهو عند الكوفيين قياس مطرد في كل ما فيه حرف حلق.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الصعقة} : مثل الزجرة; وهو الصوت الذي يكون عن الصاعقة، [ ص: 235 ] و {الصاعقة} : هي التي تقع من السماء، وهي معروفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {حطة} خبر ابتداء محذوف، أي: مسألتنا حطة، أو يكون حكاية، ولو قرئ بنصب {حطة} على معنى: احطط عنا ذنوبنا حطة; لجاز.

                                                                                                                                                                                                                                      وما في {يغفر} من القراءات ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      والضم والكسر في {الرجز} ، و {يفسقون} لغتان.

                                                                                                                                                                                                                                      اثنتا عشرة عينا كسر الشين لغة تميم، والإسكان لغة أهل الحجاز، وفتح الشين غير معروف، ويحتمل أن يكون لغة، وأجاز أبو علي في الألف من (اثنتا عشرة) ، و (ثنتا عشرة) أن تكون للتأنيث، ولم يمتنع اجتماع العلامتين; [أعني: علامتي التأنيث في قوله: «اثنتا عشرة» ] من حيث كان الاسم الثاني وإن [ ص: 236 ] ضم إلى الأول بمنزلة المضاف والمضاف إليه، فصار كقولك: (غلامة طلحة) ، قال أبو علي : ويحسنه تباعد كل واحدة من العلامتين من الأخرى، وليس كـ (مسلمات) .

                                                                                                                                                                                                                                      والعطف بالفاء في قوله: {فانفجرت} على محذوف; كأنه قال: (فضرب فانفجرت) .

                                                                                                                                                                                                                                      فادع لنا ربك يخرج لنا جزم {يخرج} على معنى: (سله وقل له: أخرج; يخرج) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو على معنى الدعاء على تقدير حذف (اللام) ، فلما حذفت (اللام) ؛ جعل كالجواب.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: هذا الوجه ضعيف; لأن ما جاء على تقدير ذلك مرفوع; نحو قوله: تؤمنون بالله ورسوله [الصف: 11]، ثم قال بعده: يغفر لكم ذنوبكم [الصف: 12]، فهو على معنى: آمنوا يغفر لكم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 237 ] ومثله: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن [الإسراء: 53] [ أبو علي: ليس معنى وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن الجزاء; أي: إن قلت لهم.. فعلوا; لأنه قد قال لهم ما لم يفعلوا، والمعنى أنه قال: (وقل لعبادي افعلوا) ، و (افعلوا) غير متمكن في الأفعال، فصار المتمكن لما وقع موقع غير المتمكن مثله، فاستغني بـ (يفعلوا) عن (افعلوا) ، كما وقع: (يا زيد) موقع (أنت) ، فبني كما بني، فاستغني به عن (أنت) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مما تنبت الأرض [مذهب ابن كيسان: أن المفعول محذوف، فالمعنى: يخرج لنا مما تنبت الأرض] مأكولا، فـ (من) الأولى على هذا: للتبعيض، والثانية: للتخصيص، و من بقلها بدل من (ما) بإعادة الجار.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 338 ] وقال غيره: (من) زائدة، والمفعول (ما) .

                                                                                                                                                                                                                                      {وقثائها} الكسر والضم في القاف لغتان، والكسر أكثر، ومثل الضم في النوابت: (العلام) ؛ وهو الحناء، و (القلام) ؛ وهو القاقلى، و (الثغاء) ؛ وهو الخردل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم القول في {وفومها} و (ثومها) ، وبدل الثاء من الفاء كثير، قالوا: (جدف) و (جدث) ، و (مغافير) و (مغاثير) ، و (قام زيد فم عمرو) .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في {أدنى} و {أدنأ} ، أبو زيد في المهموز: (دنأ الرجل [ ص: 239 ] يدنأ، دناءة، ودناء) ، (ودنؤ يدنؤ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم القول في [صرف {مصرا} وترك صرفها].

                                                                                                                                                                                                                                      فإن لكم ما سألتم من كسر السين; فهو من تركيب اللغة; يقال: (سألت) ، و (سلت) ، بغير همز، وهو من (الواو) بدليل قولهم: (يتساولان) ؛ فكأنه كسر السين على لغة من قال: (سلت) ، ثم تنبه إلى الهمز بعد أن كسر، كما قال: [من المتقارب]


                                                                                                                                                                                                                                      إذا جئتهم أو سآيلتهم وجدت بهم علة حاضرة

                                                                                                                                                                                                                                      الأصل: (ساءلتهم) ، والعادة أن تقلب الهمزة ياء، فيقال: (سايلتهم) ؛ فكأنه جمع بين العوض والمعوض منه، واضطره الوزن إلى تقديم الهمز قبل ألف (فاعلت) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 240 ] أبو الفتح بن جني : ويجوز أن يكون إبدال الهمز من (سألتم) ياء كما أبدلت ألفا في نحو: [من البسيط]


                                                                                                                                                                                                                                      سالت هذيل رسول الله فاحشة     ضلت هذيل بما قالت ولم تصب

                                                                                                                                                                                                                                      فانكسرت السين قبل الياء، ثم تنبه للهمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم الهمز وتركه في {النبيئين} وما تصرف منه.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون قال أبو علي : يجوز أن يكون {ذلك} بدلا من {ذلك} الذي قبله; لأنه هو، ولا يسهل أن يكون بما عصوا بدلا من بأنهم كانوا يكفرون } ؛ لأن قوله: بما عصوا قد يتضمن معاني غير الكفر، وقد أخبر بها عنهم في غير موضع، فلا يسهل البدل لذلك; لأن البدل لا يكون زائدا على المبدل منه، إنما يكون وفقه أو بعضه.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية