التفسير:
قوله: قل هلم شهداءكم : (هلم) بمعنى: (هاتوا)، وإذا كانت كذلك [ ص: 695 ] تعدت، وإذا كانت بمعنى: (تعال); لم تتعد، وأهل الحجاز يقولون: (هلم) في كل حال، وأهل نجد يدخلون العلامة كسائر الأفعال.
وأصلها عند الخليل (ها)، ضمت إليها (لم)، وحذفت الألف، وجعلتا كالكلمة الواحدة. وسيبويه:
وقيل: أصلها: (ها المم)، فألقيت ضمة الميم على اللام، وأدغمت، واستغني عن ألف الوصل، وسقطت ألف (ها); لالتقاء الساكنين.
وقيل: أصلها: (هل)، زيدت عليها (لم)، وحذفت إحدى اللامين.
وقيل: هي على لفظها، تدل على معنى: (هات). ومعنى الآية: [هلم شهداء من عندكم يشهدون بصحة قولكم.
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم : قال هذه الآيات الثلاث هي الآيات المحكمات التي ذكر الله تعالى في (آل عمران). ابن عباس:
و(الإملاق): الفقر.
وقوله: ولا تتبعوا السبل : قال يعني: البدع، قال: و (صراط الله المستقيم): الإسلام، والسنة. مجاهد:
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن : [جاءت (ثم) ههنا على معنى إضمار القول; كأنه قال: ثم قل: آتينا موسى الكتاب; يدل عليه قوله: [ ص: 696 ] قل تعالوا أتل ، فـ (ثم): لترتيب ما أمر به من القول.
وقال في معنى قوله: الحسن تماما على الذي أحسن ]: كان فيهم محسن وغير محسن، فأنزل الله الكتاب تماما على المحسن.
المعنى: تماما على الإحسان الذي أحسن إليهم، إذ هداهم إلى الإيمان ابن زيد: بموسى، وعنه أيضا: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه.
يتمم كرامته في الجنة تماما على إحسانه في الدنيا. قتادة:
تماما على إحسان الربيع بن أنس: موسى بطاعته لله تعالى، وقاله الفراء.
وقيل: المعنى: تماما على إحسان الله عز وجل إلى موسى بالنبوة وغيرها.
وقوله: أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا أي: [وهذا كتاب أنزلناه كراهة أن] تقولوا: إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى، ولم ينزل علينا كتاب.
[ ص: 697 ] وقوله تعالى: أو تقولوا لو أنا أنـزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم : معطوف على ما تقدم.
وقوله تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك : [قد تقدم معنى (أو يأتي ربك)، ومجازه، و (إتيان الملائكة): يعني: بالموت.
أو يأتي بعض آيات ربك ]: قال وغيره: يعني: طلوع الشمس من مغربها. ابن مسعود،
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أبو هريرة «طلوع الشمس من مغربها، الآيات التي لا ينفع الإيمان بعدها: والدجال، ودابة الأرض»، وعنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: أن وتلا هذه الآية. «باب التوبة مفتوح من قبل المغرب، عرضه مسيرة سبعين عاما، فإذا طلعت الشمس منه; لم يقبل لأحد توبة»،
وقوله تعالى: أو كسبت في إيمانها خيرا : (كسب الخير في الإيمان): الاستكثار من عمل البر في النوافل بعد أداء الفرائض.
لا ينفعه إيمانه حينئذ، وإن اكتسب فيه خيرا، إلا أن يكون ممن [ ص: 698 ] آمن قبل ذلك. السدي:
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا : قال هي في أهل الضلالة من هذه الأمة، وقيل: هي في أبو هريرة: الخوارج.
هي في اليهود; لأنهم مالئوا عبدة الأوثان على المسلمين. مجاهد:
هي في اليهود والنصارى; لأن بعض كل فرقة منهم تكفر بعضا. قتادة:
هي في جميع المشركين، وقيل: هي في كل مبدع. الحسن:
وقوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها الآية.
قيل: (الحسنة): لا إله إلا الله، و (السيئة): الشرك، وقيل: يعني: الحسنات والسيئات في الأعمال.
[وفي الخبر: «أن المجازى يعطى عشرة أضعاف ما كان عنده أنه النهاية في المجازاة» ].
[ ص: 699 ] وقيل: التقدير: عشر حسنات أمثال حسنته، ويزيد الله في التضعيف لمن يشاء.
وقوله: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما أي: مستقيما، ومن قرأ: (قيما); فهو مصدر; كـ (الصغر) و (الكبر).
وقوله: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي : (النسك): جمع (نسيكة); وهي الذبيحة، وكذلك قال مجاهد، وغيرهما: المعنى: ذبيحتي في الحج والعمرة. وسعيد بن جبير،
(نسكي): ديني. الحسن:
(عبادتي، ومنه: الناسك الذي يتقرب إلى الله بالعبادة. الزجاج:
وأنا أول المسلمين أي: من هذه الأمة، عن الحسن، وغيرهما. وقتادة،
قل أغير الله أبغي ربا : لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه: الإنكار.
ولا تكسب كل نفس إلا عليها : [أي: لا ينفعني في ابتغاء رب غير الله كونكم على ذلك; إذ لا تكسب كل نفس إلا عليها]، فلست أعذر [ ص: 700 ] باكتسابكم الإثم إن اكتسبته.
ولا تزر وازرة وزر أخرى أي: لا تحمل نفس وزر نفس أخرى.
ومعنى جعلكم خلائف الأرض يعني: أن كل أمة يخلفون من كان قبلهم، و (خلائف): جمع (خليفة).
ورفع بعضكم فوق بعض درجات أي: فضل بعضكم على بعض في الرزق.
ليبلوكم في ما آتاكم أي: ليختبركم فيما أعطاكم; ليقع منكم ما يقع به الثواب والعقاب، ولم يزل يعلمه غيبا.
إن ربك سريع العقاب : لمن عصاه، وإنه لغفور رحيم : لمن أطاعه.
وجاء في الخبر: «أن سورة الأنعام نزل معها سبعون ألف ملك، مع آية واحدة منها اثنا عشر ألف ملك; وهي: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [59] الآية»، [ ص: 701 ] «ونزلت سورة الأنعام جملة».