الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة : قال ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد: المعنى: نطبع عليها، فلا يؤمنون، كما لم يؤمنوا أول مرة; أي: أول مرة أنزلت الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: في الكلام تقديم وتأخير; والتقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونقلب [أفئدتهم وأبصارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ونقلب] أفئدتهم وأبصارهم في جهنم على لهب النار،

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 646 ] كما لم يؤمنوا به في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: كما لم يؤمن به أوائلهم، (ونقلب أفئدتهم) على هذا: في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الهاء): للقرآن، وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: للهدى.

                                                                                                                                                                                                                                      واختيار الطبري: أن يكون المعنى: تزيغ أفئدتهم عن الإيمان، وأبصارهم عن رؤية الحق، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها أول مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولو أننا نـزلنا إليهم الملائكة الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبر الله تعالى أنهم لم يكونوا يؤمنون مع نزول ما اقترحوه من الآيات إلا أن يشاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (قبلا): مقابلة، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: معاينة، فهو مصدر في موضع الحال من المفعول به; أي: حشرناهم معاينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: أتيناهم بما غاب عنهم من أمور الآخرة يرونه عيانا.

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد: معنى (قبلا): ناحية; فهو منصوب على هذا على الظرف.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 647 ] ومن قرأ: (قبلا); فمعناه: قبيلا قبيلا; أي: جماعة جماعة، عن مجاهد، فهو جمع (قبيل)، و (قبيل): جمع (قبيلة).

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: هو جمع (قبيل); بمعنى: كفيل; فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء يتكفل لهم بصحة ما نقول، وتكون الآية فيه نطق ما لا ينطق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو جمع (قبيل) الذي يراد به: الصنف; والمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء صنفا صنفا، فتكون الآية اجتماع الأجناس الذي ليس بمعهود.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (قبلا) و (قبلا) بمعنى: معاينة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن أكثرهم يجهلون أي: يجهلون أنهم لو أتوا بذلك; ما آمنوا طائعين.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يعني: مردتهم من الكفار، عن الحسن، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي، وعكرمة: (شياطين الإنس والجن): الذين يغوونهم من [ ص: 648 ] ولد إبليس، والمعنى: وكما جعلنا لك ولأمتك شياطين الإنس والجن أعداء; كذلك جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء.

                                                                                                                                                                                                                                      (عدوا) بمعنى: أعداء.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الزخرف): الزينة، ومنه سمي الذهب زخرفا; والمعنى: يزينون لهم، ويغرونهم غرورا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولو شاء ربك ما فعلوه أي: ولو شاء لمنعهم من الوسوسة، والهاء في (فعلوه) للإيحاء، ودل عليه (يوحي)، أو للعداوة، وذكرت; لأن تأنيثها غير حقيقي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      اللامات محمولة على المعنى المتقدم; المعنى: يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول; ليغروهم به، ولتصغى إليه أفئدتهم، ويحتمل أن تكون اللامات للأمر، وهو بمعنى الوعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      و(تصغى): معناه: تميل، يقال: صغوت أصغو صغوا، وصغوا، وصغيت أضغى، وصغيت أصغي.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 649 ] ومعنى وليقترفوا ما هم مقترفون : وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الإثم، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      أفغير الله أبتغي حكما : (الحكم): أبلغ في المدح من (الحاكم); إذ لا يستحق التسمية بـ(حكم) إلا من يحكم بالحق، و (الحاكم): صفة جارية على الفعل، فقد يسمى بها من يحكم بغير الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق يعني: اليهود والنصارى.

                                                                                                                                                                                                                                      وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا : قال قتادة: (صدقا): فيما وعد، و (عدلا) فيما حكم، و (الكلمات): القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      لا مبدل لكلماته أي: لا مغير لما أخبر في كتابه أنه كائن.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله : المراد بالخطاب: أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المخاطب به.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (يخرصون): يحدسون)، وقيل: يكذبون، وأصله: القطع; فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به..

                                                                                                                                                                                                                                      إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله : قيل: إن (أعلم) بمعنى: عالم، وقيل: هو [ ص: 650 ] (أفعل)، والمعنى: أعلم بمن ضل عن سبيله]); أي: هو أعلم بذلك من كل من يعلمه; لعلمه بما كان منه، وما هو كائن، وبتصرفه في جميع وجوهه.

                                                                                                                                                                                                                                      فكلوا مما ذكر اسم الله : الفاء جواب لقول المشركين للمسلمين: لم لا تأكلون ما سبقكم الله إلى إماتته؟ !

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون : فيه دليل على أن من أحل ما حرم الله عز وجل; فهو مشرك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد فصل لكم ما حرم عليكم يعني: بينه.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا ما اضطررتم إليه يعني: من الميتة وما ذكر معها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية