التفسير:
معنى أرأيتكم : أرأيتم أنفسكم؟ وجواب (إن) من قوله: إن أتاكم : قوله: أغير الله تدعون ، وكانوا يعبدون الأصنام، ويدعون الله تعالى عند الشدائد.
فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ; أي: فيكشف ما من أجله تدعون إن شاء كشفه، و (المشيئة) ههنا يراد بها: مشيئة القدرة، وهو لا يريد كشف العذاب عنهم عند نزوله، كما قال: فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا [غافر:85].
وقوله: وتنسون ما تشركون يعني: عند نزول العذاب.
[ ص: 585 ] أي: تعرضون عنه إعراض الناسي; وذلك لليأس من النجاة من قبله. الحسن:
يجوز أن يكون المعنى: وتتركون. الزجاج:
ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك : دخول (قد) مع بعد وقت الإرسال [المذكور; لقرب حال الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حال الأمم المتقدمة في الكفر والتكذيب، فقرب الإرسال ] من الإرسال; لتقارب الأحوال، وفي الكلام حذف: (فكذبوهم).
يتضرعون : مأخوذ من (الضراعة); وهي الذلة.
فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ; أي: فهلا، وهو إخبار عن الأمم المهلكة، أخبر أنهم لم يتضرعوا عند نزول العذاب، ويجوز أن يكون: تضرعوا تضرع من لم يخلص.
وقوله: فلما نسوا ما ذكروا به ; أي: تركوه; فتحنا عليهم أبواب كل شيء : قال من رخاء الدنيا ويسرها; يعني: أنه فتح عليهم ما كان مغلقا عنهم مما يحتاج إليه; استدراجا لهم. مجاهد:
[ ص: 586 ] وقوله: فإذا هم مبلسون : قال المبلس: الحزين النادم. أبو عبيدة:
هو المنقطع الحجة. الفراء:
وقيل: هو الذي قد يئس من رحمة الله.
فقطع دابر القوم الذين ظلموا : (الدابر): الذي يلي الشيء من خلفه، والمعنى ههنا: أنهم استؤصلوا بالعذاب عن آخرهم.
وختم الله تعالى ذكر العقاب بحمده; لأنه وإن كان انتقاما من المعاقبين; فهو إنعام على المؤمنين.
وقوله: من إله غير الله يأتيكم به ; أي: بالمأخوذ من السمع، والأبصار، والتمييز، وقيل: (الهاء) عائدة على (السمع)، ويدخل فيه الأبصار والقلوب; لدلالة فحوى الكلام، وقيل: (الهاء) عائدة على (الهدى).
انظر كيف نصرف الآيات : تصريف الآيات: بالإتيان بها من جهات; [ ص: 587 ] من إعذار وإنذار، وترغيب وترهيب، ونحو ذلك.
ثم هم يصدفون أي: يعرضون، عن وغيره. ابن عباس،
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة ; أي: فجأة، أو أنتم تنظرون إليه، وقال (بغتة): ليلا، و (جهرة): نهارا. الحسن:
هل يهلك إلا القوم الظالمون ; أي: هل يهلك إلا أنتم؟
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين : قال (مبشرين): بسعة الرزق في الدنيا، والثواب في الآخرة; يدل على ذلك قوله: الحسن: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [الأعراف: 96]، ومعنى (ومنذرين): مخوفين عقاب الله; فالمعنى: إنما أرسلنا المرسلين لهذا، لا لما يقترح عليهم من الآيات.
قل لا أقول لكم عندي خزائن الله : هذا جواب لقولهم: لولا نزل عليه آية من ربه [الأنعام: 37]; فالمعنى: ليس عندي خزائن قدرته; فأنزل ما اقترحتموه من الآيات.
ولا أعلم الغيب ، فأخبركم به، إلا أن يوحى إلي.
ولا أقول لكم إني ملك ; أي: أشاهد من أمور الله ما لا يشاهده الآدميون، واستدل بهذا القول القائلون بأن الملائكة أفضل من الأنبياء.
[ ص: 588 ] قل هل يستوي الأعمى والبصير ; أي: المؤمن والكافر; عن مجاهد.
غيره: العالم والجاهل.
وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم يعني: بالقرآن، وخص الذين يخافون أن يحشروا; لأن الحجة عليهم أوجب، قال يعني: المؤمنين، الحسن: يعني: من أقر بالبعث من مؤمن وكافر. الزجاج:
ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع : هذا رد على اليهود في زعمها أن أباها يشفع لها، فأعلم الله تعالى أن الشفاعة لا تكون للكفار.
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي : سبب نزول هذه الآية: أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد عنا سفلة الموالي، ونؤمن بك، فإنا نستحي أن نجلس معهم، فنهاه الله تعالى عما أرادوا منه، قال سعد: نزلت في ستة: أنا، وأربعة غيرنا. وابن مسعود،
نزلت في مجاهد: ابن مسعود زاد غيره: وبلال، صهيبا، ومن أشبههما. وعمار بن ياسر،
[ ص: 589 ] الذي قال: اطرد عنا فلانا وفلانا; هو الكلبي: أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ناس من المؤمنين: صدق عمك يا رسول الله، فعاتبهم الله في الآية الأولى، فجاءوا يعتذرون، فقال الله تعالى: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم الآية [الأنعام: 54].
وقيل: سبب نزولها: أن ناسا من المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل للرؤساء مجلسا لا يحضره الموالي، وأن يكتب لهم بذلك كتابا، فدعا بالصحيفة ليكتب، فنزلت الآية.
وقيل: إنهم، سألوه أن يؤخرهم عن الصف الأول.
ومعنى (الدعاء) في قوله: (يدعون ربهم): الصلاة المكتوبة، عن مجاهد، وقتادة. يعني: العبادة، الضحاك: يعني: الذكر. النخعي:
يريدون وجهه ; أي: طاعته، كأنه الوجه الذي وجههم إليه.
وقوله: (فتطردهم) جواب لقوله: ما عليك من حسابهم من شيء ، وقوله: فتكون من الظالمين جواب لقوله: ولا تطرد الذين يدعون ربهم ، والتقدير: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، [ ص: 590 ] فتكون من الظالمين، ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم; فقوله: (فتطردهم): جواب النفي، وقوله: (فتكون من الظالمين): جواب النهي.
ومعنى ما عليك من حسابهم من شيء أي: من حساب عملهم، عن غيره: المعنى: من حساب رزقهم. الحسن.
وكذلك فتنا بعضهم ببعض الآية; المعنى: اختبرناهم; لقول الأغنياء: (أهؤلاء) يعنون: الفقراء من الله عليهم من بيننا ؟ يجوز أن يكون ذلك على وجه الإنكار، ويجوز أن يكون على وجه الاستفهام.
وقوله: فقل سلام عليكم : قيل: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم عليهم تكرمة لهم، وقيل: أمر أن يبلغهم السلام من الله عز وجل.
قال جاء قوم من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: [ ص: 591 ] إنا قد أصبنا من الذنوب، فاستغفر لنا، فأعرض عنهم، فنزلت الآية. الفضيل بن عياض:
وكذلك نفصل الآيات ; أي: ومثل ما فصلنا لك ما تقدم نفصل لك ما يأتي بعده، و (التفصيل): التبيين الذي تظهر به المعاني.
ولتستبين سبيل المجرمين ; أي: ولتستبين سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين فصلناها، وقيل: إن دخول الواو للحمل على المعنى; كأنه قال: ليظهر الحق، ولتستبين سبيل المجرمين، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته.
قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله : قيل: معنى (تدعون): تعبدون، وقيل: معناه: تدعونهم في مهمات أموركم على وجه العبادة.
قد ضللت إذا ; أي: قد ضللت إن اتبعت أهواءكم.
قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ; أي: وكذبتم بربي، وقيل: بالعذاب، وقيل: بالقرآن، وقيل: بالبيان; لأن (البينة) بمعناه.
ما عندي ما تستعجلون به يعني: ما استعجلوا به من العذاب استهزاء; نحو قوله: أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا [الإسراء: 92].
[ ص: 592 ] إن الحكم إلا لله يعني: الحكم الفاصل بين الحق والباطل.
يقص الحق ; أي: يقص القصص الحق.
قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ; أي: لجئتكم بالعذاب، فقضي بيني وبينكم، وقال المعنى: لذبح الموت، وكذلك قال في: ابن جريج: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر [مريم: 39]: إنه بذبح الموت; وذلك بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وقد روي ذبح الموت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم بالظالمين أي: بمجازاتهم، وبوقتها السابق في علمه.
وعنده مفاتح الغيب الآية:
قال الحسن، معنى (مفاتح الغيب): خزائنه، و (المفاتح): جمع (مفتح)، وجمع (مفتاح): (مفاتيح)، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والسدي: لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد إلا الله، [ ص: 593 ] ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، «مفاتح الغيب خمسة وعن أنه قال: مفاتح الغيب خمسة، وتلا: ابن عباس إن الله عنده علم الساعة [لقمان:34] الآية.
وما تسقط من ورقة إلا يعلمها : (من): للتوكيد، والله يعلم الورقة سقطت أو لم تسقط.
وقوله: إلا في كتاب مبين يعني: اللوح المحفوظ، وإثباته في اللوح المحفوظ لا لحاجة منه إلى ذلك; لأنه لا يضل ولا ينسى، لكن لتعتبر به ملائكته الموكلون بمقابلة الحوادث بما في اللوح المحفوظ.
فعل ذلك; ليعلم ابن الحسن: آدم أن عمله أولى بالإحصاء.